المقالات

تصريح نتنياهو باحتلال غزة: مناورة سياسية أم نية تصعيدية؟

في تطور جديد قد يفتح الباب أمام تصعيد خطير في المنطقة، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا بإمكانية “احتلال قطاع غزة مجددًا”، في خطوة أثارت تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وما إذا كان هذا التهديد يعكس تغييرًا في الإستراتيجية العسكرية، أم أنه مجرّد ورقة ضغط سياسية في ظل تعقيدات المشهد الداخلي والخارجي. ويمكن عرضه من عدة سياقات.

مناورة داخلية لإرضاء اليمين المتشدد
تصريح نتنياهو لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي في إسرائيل. فقد تعرض رئيس الوزراء لضغوط متزايدة من شركائه في الحكومة اليمينية، وعلى رأسهم وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يطالبون بحل عسكري شامل في غزة، يصل إلى حدّ إعادة احتلالها.
و أن نتنياهو يسعى من خلال هذا التصريح إلى ترميم صورته أمام قاعدته اليمينية، خاصة بعد الانتقادات الواسعة التي طالته بسبب ما وُصف بـ”الفشل الأمني” في أحداث 7 أكتوبر، وكذلك الفشل في تحقيق “نصر واضح” خلال الأشهر الطويلة من الحرب على غزة.
ضغط على الفصائل والوسطاء
التصريح يأتي أيضًا في سياق الضغط على الفصائل الفلسطينية، لا سيما حركة حماس، بهدف دفعها لتقديم تنازلات في مسار المفاوضات غير المباشرة التي تُجرى بوساطات إقليمية. كما يُقرأ هذا التهديد كمحاولة لإحراج الوسطاء، خصوصًا مصر وقطر، ودفعهم لممارسة ضغوط أكبر على الحركة.
إشارة تحدٍّ للمجتمع الدولي
في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل انتقادات متزايدة على الساحة الدولية بسبب الوضع الإنساني الكارثي في غزة، يبدو أن تصريح نتنياهو يمثل تحديًا متعمدًا لتلك الضغوط، وربما رسالة للولايات المتحدة – حليفها الأبرز – بأن إسرائيل لن تتراجع عن “مهمتها الأمنية” حتى لو كلفها ذلك مواجهة عزلة دبلوماسية.
غياب البديل السياسي وتضارب الأجندات
اللافت في هذا التصريح أنه يأتي في ظل غياب رؤية واضحة لليوم التالي في غزة. فبينما تصرّ واشنطن على ضرورة عدم إعادة الاحتلال العسكري، لم تقدّم تل أبيب بديلًا سياسيًا مقنعًا. وهذا ما يجعل التهديد بالاحتلال يبدو وكأنه هروب إلى الأمام، في ظل العجز عن فرض معادلة جديدة على الأرض.
هل الاحتلال خيار واقعي؟
رغم التلويح به، يرى محللون أن إعادة احتلال غزة ليس خيارًا واقعيًا بالنسبة لإسرائيل، نظرًا لما ينطوي عليه من مخاطر جسيمة قد تسبب انقساما وتوسع الخلافات بين السياسيين والعسكريين داخل إسرائيل وتشمل هذه المخاطر :
تكلفة بشرية ومادية هائلة.
إمكانية الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
تعميق العزلة الدولية.
تقويض العلاقات مع دول الجوار مثل مصر والأردن
خاتمة
في ظل المشهد المعقد، يبدو أن تصريح نتنياهو باحتمال احتلال غزة يحمل أكثر من رسالة: سياسية، داخلية، تفاوضية، وحتى إعلامية. لكنه في الوقت ذاته يكشف عن مأزق استراتيجي حقيقي تمر به القيادة الإسرائيلية، التي لم تستطع حتى الآن بلورة رؤية شاملة للحرب، أو لما بعدها.
ما إذا كان هذا التصريح مقدمة لخطوة فعلية أم مجرد مناورة ضمن لعبة الشد والجذب، فإن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف مآلاته.

د. حمود الرويس

دكتوراة في السياسة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى