المقالات

الشائعات تنتشر في كل العالم

إبراهيم البليهي

قد يستغرب البعض حين يعرفون أن كل المجتمعات حتى تلك التي توصف بأنها متقدمة ومزدهرة لكنها رغم تقدمها وازدهارها؛ تعاني أشد المعاناة من ظاهرة الشائعات السخيفة التي تُلحق الضرر بالناس وبالأوطان، وتتنوع مجالات الشائعات حول الصحة والأمراض وحول الغذاء والدواء وحول الأشخاص والأشياء والمال والأعمال والمذاهب والاتجاهات ولا تترك أي مجال فالشائعات أوبئة عالمية؛ ففي أمريكا تتحدث العديد من الكتب عن التأثير الشديد للشائعات على الحياة الأمريكية ومن آخر ما صَدَر في هذا المجال كتابُ (هَلَعُ أُمَّة) الذي شارك فيه خمسة عشر أستاذًا جامعيا وقام بالتحرير الطبيب البروفيسور ستانلي فيلدمان والطبيب البروفيسور فينسنت ماركس وقد جاء في المقدمة: ((أن الكتاب محاولة لتصحيح الرؤى التي لا أساس لها، والمتسمة بالحجج الواهية؛ فقد أصبح الناس خائفين بغباء من التصورات الملتوية التي تُقَدَّم عبر وسائل الإعلام على أنها حقائق مثبتة علميا)) ويضيف الطبيبان الأكاديميان بالتأكيد على أنه: ((كلما ازدادت الاستحالة وبُعدها عن الحقيقة؛ ازداد الاهتمام بها من قِبَل الإعلام المتعطش للأخبار المثيرة؛ وقَلَّما تُحلَّل هذه الروايات أو تُجابه من قِبَل الهيئة العلمية؛ ونتيجة لذلك فقد أصبح عامة الناس والهيئات الرسمية المسؤولة التي تنقصها المعرفة العلمية يتقبلونها وكأنها حقائق ويؤدي ذلك إلى وضعنا في دائرة الريبة والشك)) ويضيف الطبيبان الأكاديميان: ((وُلِدَتْ فكرة هذا الكتاب بسبب حالة الإحباط التي أصابتنا جراء تصديق الناس للسيل المتدفق من الرؤى المخيفة غير المعقولة والبعيدة وغير الدقيقة والمضللة التي تتحدى العقل وتؤجج ما وصفه ميك هيوم بأنه: وباء الأوبئة غير المنطقي)) ويضيف الطبيبان الأكاديميان: ((إن حالة الإحباط والغضب الناجمين عن عدم قدرة الهيئة العلمية على مواحهة تلك القصص المخيفة التي تُنشر للناس بشكلٍ يُضمر الشرَّ)) ثم يذكر أنهم كانوا في اجتماع علمي فتناولوا ظاهرة انتشار الشائعات بين الناس وهي شائعات تربك حياتهم وتضللهم وأن: ((مجموع من الأطباء الأكاديميين والمحترفين وعددًا من العلماء المهتمين بمشكلات الصحة أنه قد آن الأوان لتثبيت الحقائق ومواجهة القصص المخيفة التي تنتشر بين الناس)) وهكذا اتفق المجتمعون على توزيع المهام لكتابة فصول الكتاب فصدر بعنوان (هَلَعُ أُمَّة) وكان هدف الكتاب مواجهة ما يتداوله الناس من معلومات مغلوطة تتعلق بالصحة وبالغذاء والدواء وتصورات منافية للعلم ومصادمة للحقائق.
إن كتاب (هلع أمة) لا يمثل سوى نموذج عما يقوم به الأطباء والعلماء والمفكرون من مواجهة للتفكير الخرافي وعلى سبيل المثال فإن البروفيسور الطبيب وليد منصور عامر صدر حديثًا له كتابٌ عن (العلم والخرافة) وهو يتناول الصحة والأوهام المتعلقة بالأمراض وفيه يقول: ((الدافع الأساسي لإنجاز هذا الكتاب؛ هو ما هالني من حجم الجهل والخرافة في ما يتعلق بالمعلومات التي تم تداولها؛ أصابتني بالدهشة الشديدة وكذلك الحسرة أن تكون هذه الظاهرة موجودة في القرن الحادي والعشرين التي جعلتني أعيش أجواء العصور الوسط)) إن هذا النص يشير أيضا إلى أن هذا الطبيب يستغرب التفكير الخرافي ولا يدرك بأن العلم لم يصبح جزءًا فاعلا في التفكير البشري إلا داخل نطاق التخصص ولا أستبعد أن هذا الأستاذ الجامعي ذاته هو أيضا خارج النطاق الضيق لتخصصه يفكر بطريقة غير علمية؛ لأن شدة استغرابه لشيوع التفكير الخرافي يدل على أنه لا يدرك بأن العلم كمنهج للتفكير ما زال بعيدًا عن أن يصبح حقيقة مكَوِّنة للعقل البشري. إن العقل البشري ما يزال بعيدًا عن منطق العلم إلا في مجالات الإنتاج والتخصصات المهنية الضيقة أما التفكير بشكل عام فإن البشر غير علميين وغير عقلانيين. إن أوضاع الأمم وخلافاتها وحروبها وتنوع مواقفها تؤكد أن العقل البشري تتحكم به الأنساق الثقافية المتوارثة أما العلم فهو للتمكين المادي واكتساب القدرة والإنتاج والتخصصات المهنية. أما التفكير عامةً فهو غير محكوم بالعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى