في بعض المؤسسات، النجاح لا يُصنع… بل يُصوَّر. يكفي أن تُنشر صورة لاجتماعٍ أنيق، أو تقرير ملوَّن مليء بالأسهم الصاعدة والمصطلحات اللامعة، ليُقال: إنجاز غير مسبوق! تُرفع الشعارات، وتُوزَّع الابتسامات، ويُقدَّم الفشل في عبوة نجاح فاخرة، كأنه منتج تسويقي يحتاج فقط إلى إعلانٍ جيّد.
تحوّلت بعض المؤسسات إلى مسارح فخمة: مدير يتحدث عن الخطة الاستراتيجية، ونائب يلوّح بالتميّز المؤسسي، وحاضرون يهزون رؤوسهم بحماسٍ مدروس، بينما الواقع يئنّ بصمتٍ في غياهب أدراج المكاتب. الإنجاز الوحيد الحقيقي هو إتقان فنّ إيهام الآخرين بالتفوّق.
أصبح الكثير من المديرين لا يديرون مؤسساتهم، بل يديرون الانطباع عنهم. لا يصنعون منجزًا، بل يصنعون مشهدًا يوهم بالمنجز. يبرعون في العرض التقديمي، ويعجزون عن تنفيذ ما يحتويه ذلك العرض. حتى الفشل لديهم له ألف عنوان، لكن لا يُعترف به؛ بل يُعاد تغليفه في تقريرٍ أنيق بعنوان: خطوات التحوّل القادمة. لقد تحوّل بعضهم من قادةٍ للتنمية إلى مخرجي مشاهد وهمية.
الطريف أن بعض حالات الفشل أنجح من نجاح بعض المؤسسات؛ فالمؤسسة التي تعترف بأخطائها وتتعلم منها أكثر احترامًا لمنسوبيها من تلك التي تنفق وقتها وأموالها في تلميع صورتها. الفشل الحقيقي لا يُخجل، بل يُعلِّم، أما الفشل المغلَّف بشعارات النجاح، فهو سرطانٌ إداري يفتك بجسد المؤسسة ويقتل روح العمل، ويستشري فيها روح الفساد.
والمؤلم أن في كل مؤسسة من هذا النوع إدارة خفية لا تُذكر في الهيكل التنظيمي، اسمها: إدارة التجميل المؤسسي والتلميع الإعلامي. مهمتها تحويل التقصير إلى إنجاز، والعجز إلى خطة، والتأخير إلى إعادة جدولة، وتقديم الفشل على أنه تجربة ثرية. تلك هي الكارثة الحقيقية حين تتحول الإدارة من إدارةٍ للنتائج إلى إدارةٍ للمظاهر، والنتيجة: مؤسسة ناجحة في الإعلام… فاشلة في الواقع.
القائد الحقيقي لا يخاف من الفشل، بل يتعامل معه كدرسٍ في الطريق. أما القائد المزيّف، فيحوّله إلى فيلمٍ وثائقي عن النجاح، يوزّع نسخه على الجميع بابتسامةٍ واسعة وثقةٍ مصطنعة. النجاح الحقيقي لا يحتاج إلى ضوء كاميرا، ولا تغريدة من الاتصال المؤسسي، بل يحتاج إلى إنجازٍ صامتٍ يفرض نفسه دون إعلان. أما النجاح المزيّف فصوته عالٍ لأنه يخشى الصمت.
ولذلك، حين تسمع تصفيقًا مرتفعًا في أحد ممرات مؤسسةٍ ما ولا ترى شيئًا يتحرك على الأرض، فلا تقلق! لم يتحقق أي إنجاز جديد… فقط الفشل نال ترقيةً مستحقة، واحتفل بها على أنغام التصفيق الإداري.





