رحم الله الفقيد الغالي معالي أ. د محمد العقلا، رحمة واسعه، ورفع درجته في عليين، وعوض الوطن والامة العربية والاسلامية خيرا فيه.
عرفت معاليه حينما كان وكيلا لجامعة أم القرى للدراسات العليا والبحث العلمي في العام1423 هـ، وكنت حينها أعمل مديرًا لمركز بحوث اللغة العربية وآدابها بمعهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، وكان المعهد آنذاك تابعًا لهذه الوكالة، وأذكر في هذه الفترة، وكان عميد المعهد هو الأستاذ الدكتور محمد حمزة السليماني(شافاه الله وعافاه) أن معاليه طلب من المعهد إعداد برنامج علمي وثقافي وفكري لزيارة وفد من الجامعة مُمَثّلا في المعهد، إلى جمهورية الصين، في ظل تنامي العلاقة بين الدولتين الكبيرتين، وأحال عميد المعهد المعاملة لي لإجراء اللازم. وقمت على الفور بتكوين لجنة تضم مدير مركز بحوث الدراسات الإسلامية ، ومدير مركز البحوث الطبية ، ومدير مركز بحوث الهندسة، والحمد لله وضعنا برنامجًا متكاملًا من جميع الجوانب، وتمت الزيارة على أكمل وجه، وحققت جميع أهدافها بفضل من الله ثم بدعم ومتابعة من معاليه.
ثم لما انتهت فترة عمادة الدكتور محمد حمزة كُلف خلفًا له في عمادة المعهدأستاذنا الدكتور زايد بن عجير الحارثي (حفظه الله) وتوثقت الصلة به، نظرا لعمق العلاقة بينهما، وأبدى الأستاذ الدكتور زايد الحارثي له عزم المعهد على تبني مشروع علمي كبير، وهو إصدار كتاب (المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية) للشاطبي، الذي مرّ عليه وقت طويل دون أن تتم طباعته ونشره، فكان أن أبدى تفهمه لذلك، ودعمه ومساندته لهذا المشروع، وبدأ المعهد يستعد للعمل على تجهيز هذا الكتاب وإعداده للطباعة والنشر، ولا أنسى في هذا المقام أنه كان لمعالي الأستاذ الدكتور عدنان وزان(طيب الله ثراه ورحمه رحمة واسعة) مدير الجامعة حينذاك الفضل الأكبر بعد الله في دعم هذا المشروع، والصرف عليه بسخاء حتى أذن الله بصدوره في العام ١٤٢٨، واستقبلته الساحة العلمية بأحسن مايكون عليه الاستقبال، وكان -بحق- من أعظم ماصدر عن الجامعة والمعهد من إصدارات علمية حتى يوم الناس هذا.
وكان معالي الدكتور محمد العقلا في ذلك الوقت قد صدرت الموافقة السامية الكريمة على تعيينه مديرا للجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية عام ١٤٢٨، ولما علم بصدوره سُرَّ أيما سرور، وتواصل على الفور مع عميد المعهد مهنئا إياه، ومبديا سعادته البالغة بهذا الإنجاز العلمي الذي تحقق لجامعة أم القرى.
ومن ذكرياتي مع معاليه أنني كنت ألتقيه كل عام ولمدة ثلاثة أعوام متتالية في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، حيث كان يقوم بنفسه شخصيا بمتابعة مشاركة الجامعة الاسلامية في فعاليات هذا المعرض الدولي الكبير، وتفقد أحوال العاملين فيه من الجامعة، ورأيته وسمعته وهو يوصي سعادة الملحق الثقافي في مصر بتوفير أقصى درجات الرعاية والاهتمام بجناحي جامعة أم القرى والجامعة الاسلامية في هذا المعرض سواء بسواء، وذلك ما يعكس شعوره بشمولية المسؤولية، وإيمانه بضرورة خروج الجامعتين بمستوى مشرف يليق بمكانتهما ومكانهما.
وأشهد له في هذا المقام أنه نقل الجامعة الإسلامية في جميع الجوانب الادارية والعلمية والثقافية والفكرية نقلات نوعية تخطى بها حدود الزمان والمكان والإمكانات، وأصبحت الجامعة تحتل مكانة سامقة بين الجامعات المحلية والعربية والإسلامية، وأصبح لها حضور معرفي في الداخل والخارح، وخاصة في إصداراتها العلمية المتميزة التي احتلت بها مركز الصدارة بين الجامعات. وهذا يدل على أن الجانب البحثي في إدارته للجامعة كان يأخذ منه النصيب الأوفى والمكانة الجديرة به من الاهتمام والاحتفاء والدعم والمساندة.
كما أذكر لمعاليه ذلك الجانب الإنساني المفعم بالعواطف النبيلة والمشاعر الجياشة، وقد تجلى هذا في مواقف كنت شاهدا عليها إبان المشاركة في المعارض الدولية للكتاب، فكان يقابل ممثلي الجامعات المشاركة بالتواضع غير المتكلف، والابتسامة الصادقة، والحديث الودي الأخوي، ومدّ يد العون لمن يطلب ذلك.
والواقع إن الحديث يطول لو أردنا المضي في سرد ذكريات أبي طارق، ولكن حسبي ماذكرته عنه في هذه
العجالة.
(إذا نحنُ أثنينا عليكَ بصالحٍ
فأنت كما نُثْني وفوق الذي نُثْني وإنْ جَرَتِ الألْفَاظُ مِنَّا بِمدْحَةٍ
لغَيْرِكَ إنسَانًا فأنْتَ الَّذِي نَعْني).
ومسك الختام فإني أدعو إلى تكريم هذه الشخصية الفذة بأي صورة من صور التكريم، كأن
تُسمى إحدى القاعات العلمية الرئيسة في جامعتي أم القرى والجامعة الإسلامية باسمه، وأن يُسمى أحد الشوارع الرئيسة باسمه في مدينتي مكة المكرمة والمدينة النبوية أيضا.
كما أقترح أن يُكتب عنه كتاب تذكاري يشترك فيه ثلة من أساتذة الجامعات ومن أصدقائه وزملائه ومن عمل معه، يتضمن سيرته الذاتية، ومسيرته العلمية والإدارية، وإنجازاته في ما أسند إليه من مناصب.
رحم الله الحبيب الأثير الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا، وثقّل موازينه وصحائف أعماله، وأبدله دارًا وأهلًا وصحبًا خيرًا من داره وأهله وصحبه، وجَمَعه بمن يحب في جنات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
0
