لم تعد أسواق الخضار والفواكه مجرد أماكن لشراء الطماطم والبطاطس والبصل ، بل تحوّلت ـ في صمتٍ مريب ـ إلى مساحاتٍ تُدار بغير أهلها، وتُدار بعقلٍ لا يعرف من الأرض إلا ثمرها، ولا من الوطن إلا عملته. فحين تدخل كثيرًا من هذه الأسواق اليوم، تشعر أنك عبرت الحدود دون ختم جواز، وتحدّثت لغة غير لغتك، وساومت على سعر لا يخضع لمنطق السوق ولا لرقابة النظام. فسوق الخضار والفواكه، هذا الشريان الحيوي الذي يغذي موائدنا بشكل يومي لم يعد مجرد مكان لتبادل السلع. بل تحوّل وعلى مرأى من الجميع، إلى نموذج صارخ للهيمنة الاقتصادية والتكتل الذي يقصي المواطن خارجه ، ويُضعف القدرة التنافسية وعليه فإن أسواق الخضار باتت تحتاج إلى قرار !
فمن يتجول في أسواق الخضار المركزية في مختلف مدن ومحافظات بلادنا يرى بعينيه كيف أحكمت تلك العمالة الوافدة سيطرتها على كل مفاصل السوق: من الشراء في الفجر الباكر، مروراً بالتحميل والنقل، وصولاً إلى البيع المباشر للمستهلك في ظاهرة في ظاهرة باتت مألوفة، لها تجارها الخفيّون، وسماسرتها الملثمون ، وسلسلة طويلة من التستر الذي يبدأ من خلف الكاشير ولا ينتهي إلا عند بوابة السوق في احتكار تنظيمي غير رسمي. حيث تتقاسم هذه التجمعات العمالية مراكز البيع، وتحدد الأسعار بشكل غير معلن، وتخلق شبكة توزيع وإمداد يصعب اختراقها.
والطريف المبكي أن هذه الخضار نبتت في أرضنا، وسُقيت بمائنا، ونُقلت على طرقنا، ثم بيعت لنا وكأنها واردات لها حصانة من السؤال والمحاسبة. فما أن تشتري كرتون طماطم وحزمة جرجير حتى تشعر بأنك أبرمت صفقة دولية، بل أن الأخطر من ذلك كله أن هذه السيطرة خلقت اقتصادًا ضبابياً يتحرك خارج دائرة الرقابة، ويُغذّي التحايل، ويكسر مبدأ تكافؤ الفرص. فالمواطن الباحث عن فرصة عمل داخل هذه الأسواق ينصدم بحاجز اللغة المتأمرة، وتكتلات العمالة المخالفة ، وسلسلة توريد لا تسمح بدخول عنصر جديد إلا إذا ذاب في منظومتها وعمل تحت ادارتها !
وختام القول فإن إعادة هيكلة هذه الأسواق، وتمكين المواطن، وتطبيق الأنظمة بصرامة، باتت ضرورة اقتصادية وسيادية مُلحة . فالسوق الذي يفقد هويته، سيفقد بالتأكيد توازنه، وحينها لا تكون الطماطم وحدها هي التي تُسحق داخل الكراتين بل الفرص والعدالة وهيبة النظام فأين نحن من توطين هذه المهن؟ وأين الرقابة الجادّة التي تحارب عاملٍ مسيطر وتاجرٍ متستر؟ كما نتساءل عن دور الجهات المعنية في حماية السوق من التحوّل إلى مساحةٍ مغلقة تُدار بيد عامل اجنبي، في تكتلات منظمة تضرب الأسعار وتمنع المنافسة العادلة.
وخزة قلم :
سيطرة العمالة على سوق الخضار جعلت المستهلك تحت مقصلة التسعيرة الأجنبية الموحدة.






