المحلية

الثورة المعلوماتية… وإدمان الإنترنت

الثورة المعلوماتية… وإدمان الإنترنت…؟
بقلم: مصطفى قطبي

من منا لم يدفعه فضوله وشغفه إلى ارتياد ذلك العالم الساحر المجهول الذي فرض وصايته على حياتنا، واقتحم كل تفاصيل حياتنا اليومية، من منا سلمت أصابعه من محاولة اكتشاف خفايا الشبكة العنكبوتية الساحرة بأسرارها ودهاليزها الغامضة بلا حدود؟. فبعد أقل من عقد من الزمان هيمنت “”الإنترنت”” فيها علينا بسحرها وشموليتها وفرصها غير المحدودة للبحث والتعليم والاطلاع والتسلية، بل الانفتاح على الآخر. ولكم كانت مثاراً للدهشة والتأمل رؤية صغير لم يكمل بعد أعوامه الأربعة، وهو يحوم بإصبعه وينقر على سطح شاشة هاتف ذكي، ينتقل بين محتوياته استعراض تطبيقات وذواكر وصور بشغف ومهارة وألفة من خبرَ أداة سحرية كتلك على مدى عقود أربعة! تلك الفطرة الحاسوبية البادية على جيل الصغار، ربما من لم يُحسن النطق بعد ناهيك عن إمساك القلم والكتابة تفرض على جيل الكبار فهماً أكبر واستيعاباً أعمق لما بات يعرف بثورة المعلومات والحواسيب الذكية، وعلى الأخص ما يختص منها بتقنيات ووسائط التشبيك المعلوماتي والتواصل الاجتماعي العابر لكل الحدود الجغرافية والسياسية والاجتماعية وحتى الفيزيائية!

وفيما تقرأ كلمات هذا المقال قد يكون قرابة 420 مليون صيني على الخط يتواصلون عبر الإنترنت في حين عدد مستخدمي الشبكة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية قرابة نسبة ألـ 77 في المائة من عدد السكان بحسب إحصاء لعام 2010. أما الشرق الأوسط، في مصر قارب مرتادو الشبكة ألـ 12 مليوناً في أحدث تعداد. تركيا حققت المرتبة السابعة عالمياً من حيث عدد الموصولين على الخط وتعداد مستخدمي الإنترنت فيها يزيد ألـ 35 مليون. وفي إيران ناهز عدد المستخدمين ألـ 36 مليون وفي المملكة العربية السعودية 11 مليون، أما إسرائيل فإن 90 في المائة من يافعيها يتواصلون عبر الفضاء الإلكتروني. إذن فالعقل العربي أمام واقع جديد تفرضه روح عصر جديد متجسد أولاً باتساع فضاء التواصل وغزارة المعلومات ويُسر الحصول عليها، وتلك مقومات ثورة كونية حقيقية تغير الإنسان من جوانب عدة أهمها ثلاث:

[COLOR=crimson]الزمان: [/COLOR] ما إن تضغط أحد المفاتيح أو تنقر على سطح زجاجي لتلج الفضاء الإلكتروني حتى يتغير مفهوم الزمان كلياً وعملياً. فمثول آخر يبعد آلاف الأميال ليحل على بعد بوصات صوتاً وصورة والأهم من ذلك حضوراً شخصياً وتواصلاً إنسانياً مباشراً تراه يبتسم أو تدمع عينه. يستمع أو يخاطب. تتبادل الأخبار وتتقاطع الآراء خلال فاصل زمني متناه يكاد ينعدم. يتجدد الحب أو تستعر الكراهية في أقل من ثوان. إنه حاضر الإنسان المباشر الآني والتلقائي وقدرته على اجتياز المسافات والأزمنة بسرعة الضوء. يعيد تعريف الزمان ليس بوصفه حولاً وإنما اختراقاً والمكان ليس بوصفه ابتعاداً وإنما حلولاً. يختصر كرة الأرض في نقطة التقاء بلايين الهواتف المنقولة والحواسيب المحمولة في تزامن واتساق.

القيم:
إن الأسس الكلاسيكية التي نشأت عليها الأمم ستقوض دعائمها حكماً أمام هذا السيل الهائل والجارف من التقانة التي وفرت فضاء مفتوحاً لإعادة تشكيل المجتمع والهوية بعيداً عن الأطر الجيوسياسية التقليدية. فحدود العصر أشبه بلا حدود حيث يشهد كل يوم ولادة أنماط جديدة من التجمعات البشرية على مواقع التواصل الاجتماعي عابرة للدول بجبالها وبحارها وأنهارها وسفاراتها وجمركها وحرس حدودها وشواطئها. هذه المجتمعات أشبه بكيانات حيوية تتفاعل وتتحرك. تؤثر وتتأثر. لها مفاهيمها الوليدة وقيمها الناشئة. عصبها حرية المعلومات تبادلاً وحيازة وتخضع في سلوكها ومواقفها وحراكها لأشبه بالنفير الكوني حيث دعوة في بضع كلمات قادرة على حشد وتعبئة ملايين البشر في أقل من دقائق.

[COLOR=crimson]الواقع الموازي المكمل أو البديل:[/COLOR] إن توصيف الفضاء السيبيري بالواقع الافتراضي لم يعد وافياً ولا دقيقاً. فالعلاقات الإنسانية الحادثة ضمنه ومدى إقامة البشر فيه وعلى الأخص قطاع الشباب جعل منه متجاوراً للواقع الحياتي في رحابته وديناميته. فالصديق أصبح أقرب وإن تفصله عن الصديق أميال والجار في قارة مجاورة صار أدنى من الجار الذي يقطن باباً بباب، والمشاعر التي قد تلد حباً خالصاً أصبحت تتجاوز الجغرافيا، والبكاء على الأطلال والباحث عن كتاب أو مقال يمضي جل وقته أمام شاشة حاسوبه بعيداً عن الصحف والكتب. فالناس باتوا يعيشون في الفضاء الإلكتروني بقدر ما يحيون في واقعهم التقليدي والذي قد يغتربون عنه بقدر ارتقاء تقانة الحواسب ووسائل التواصل الصلبة (أجهزة وأدوات) والناعمة (برامج ووسائط). إنه عالم جديد يتشكل وما انفك يصبح أكثر كمالاً وواقية بقواعد وأسس جديدة وثورية سيتجاوز دعاوى كل المنظرين النفسيين والاجتماعيين بخطورة الانزياح نحوه والانغماس فيه.

لكن ومهما تباعدت المسافات واختلفت الثقافات، وأتاحت للبشر ما يشبع فضولهم المعرفي والثقافي أمام تراث فكري ومعلوماتي ليس له حدود، فالدراسات العديدة أصبحت تتسابق للتنبيه من سوء استخدام “”الإنترنت”” وحذرت من مخاطر الإدمان عليها!. وبحسابات الزمن، لا تزال “”الإنترنت”” ظاهرة تكنولوجية ووسيلة اتصال وتواصل حديثة نسبياً في حياة الناس، مع التسليم بفوائدها وإيجابياتها المتعددة، فإن كثيرين لا يعلمون عن سلبياتها ومشكلاتها ولاسيما ما يعرف بالإدمان عليها، مع ذلك، لا يمكن القول إن كل الذين يستغرقون وقتاً طويلاً على شبكة “”الإنترنت”” هم مرضى أو مصابون بهذه الحالة، لأن العامل الأهم هنا يتعلق بشعور المستخدم، وماهية الأعراض النفسية والمزاجية وانعكاساتها السلبية عند عدم دخوله شبكة “”الإنترنت”” لأي سبب من الأسباب.
فإدمان “”الإنترنت”” لم يعد مجرد وصف نظري للاستخدام المرضي الذي يؤدي إلى عدد من الاضطرابات في سلوكيات الأفراد بعد أن أصبح ظاهرة تنتشر في كل بيت تقريباً وفي جميع المجتمعات بسبب توافر أجهزة الحاسوب “”الكمبيوتر”” وإن لم يكن موجوداً، يكفي للأفراد الذهاب إلى “”مقاهي النت”” في كثير من الأماكن العامة هنا أو هناك.

إن عدداً ليس بقليل من خبراء الطب النفسي، وعلم النفس السلوكي، والتربية وعلم النفس الاجتماعي يجزم بوجود علامات ومعايير الإدمان النفسية والسلوكية والاجتماعية لدى فئة غير قليلة من الذين يسيئون استخدام “”الإنترنت”” لدرجة أن الأثر قد يتحول إلى حالة “”إدمان”” وينطبق عليها كل ما يقال عن إدمان المخدرات من أعراض وأضرار نفسية واجتماعية وسلوكية. وتشير “”كيمبرلي يونج”” أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد الأميركية في دراستها عن “”أضرار الإنترنت”” إلى أن 6 في المائة من مستخدمي “”الإنترنت”” في العالم في عداد المدمنين، وهم الذين يفشلون في السيطرة على وقتهم المحدد لاستخدام “”الإنترنت”” في كل مرة، وتفاقم العلاقات مع الآخرين، والشعور بالاضطراب أو القلق عند الابتعاد عن جهاز الكمبيوتر، وأنهم يعانون عدة آثار سلبية في مقدمتها الآثار الصحية، حيث يسبب الإدمان اضطرابات النوم، والإرهاق البالغ الذي يؤدي بدوره إلى سوء الأداء في العمل والدراسة، وتأثير الجهاز المناعي، وآلام الظهر وإرهاق العينين بسبب قضاء ساعات طويلة من دون حركة أمام أجهزة الحاسوب، وقابلية الإصابة بمرض الفتق الرسغي، كما أنه معرض لظهور حالة من الأرق والانفصال النفسي عن عالم الواقع، والعيش وسط الأوهام والعلاقات الداخلية وبخاصة لمن يدمنون منتديات الحوار “”الشات”” كما يصاب المدمن أيضاً بزيادة الوزن نتيجة عدم الحركة مع تناول الوجبات والمشروبات العالية السعرات. بالإضافة إلى المخاطر الشعاعية الصادرة عن الشاشات، وتأثير المجالات المغناطيسية الناتجة عن الدوائر الكهربائية والإلكترونية. أما الآثار الاجتماعية فتتمثل في اضطراب الحياة الأسرية للشخص بسبب قضائه وقتاً أقل مع أسرته، وإهمال لواجباته الأسرية، وهجر أو تأثير العلاقات الزوجية بسبب إقامة علاقات غرامية غير شرعية “”افتراضية”” أو ما يعرف بـ “”الجنس الإلكتروني””، وقد أطلقت على الزوجات اللاتي يعانين من مثل هؤلاء الزواج بأنهن “”أرامل الإنترنت””، كما يؤدي إلى إهدار الوقت، إضافة إلى انخفاض مستوى الأداء في العمل والدراسة.

[ALIGN=CENTER][IMG]https://www.makkahnews.sa/contents/myuppic/4f122b8d1f777.jpg[/IMG][/ALIGN]

مقالات ذات صلة

‫7 تعليقات

  1. مقال يستحق التنويه والشكر.فثورة المعلوميات كل يوم تأتي بالجديد .وأعتقد أن هذه الثورة سوف تجرفنا إلى متاهات لا نهائية.فالتطور التكنولوجي سلاح ذو حدين فيه المنافع وفيه أيضا المساوىء.

  2. أعجبني المقال لأنه يناقش قضية راهنة وآنية وتهم كل بيت عربي.فهذا الأنترنت مثل غول أصبح يكتسح حياتنا بدون استئذان وأصبح يقرب المسافات ويبعد الأخلاقيات والمصيبة أننا اصبحنا مدمنين عليه.فشكرا لصحيفة مكة التي أرشدتنا لعيوبه.

  3. بارك الله فيكم وأحسن الله إليكم.لا يمكن لأي شخص إلا أن يعترف أننا أصبحنا مدمنين على الأنترنت فهو كالسحر يجذب ولا يملك الفرد إلا أن يستجيب رغم مخاطره الصحية.

  4. مقال ممتاز وأعجبني حيث اعتمد الكاتب على حقائق موضوعية وأرقام واقعية ولم يكتب المقال كما يكتب بعض الصحفيين،فقط يحذرون من الأنترنت وثورة المعلومات، بل الكاتب وفقه الله ناقش بالدليل الذي يعتمد على الإقناع العقلي.وجعل القارى هو من يختار مصيره أن يدمن على الأنترنت أو يتجنب قدر الإمكان المكوث طويلا أمام أجهزة الأنترنت التي تضر نفسيا وصحيا، كما أن الكاتب سافر بنا إلى مزايا الثورة المعلوماتية وفوائدها.

  5. إن عدداً ليس بقليل من خبراء الطب النفسي، وعلم النفس السلوكي، والتربية وعلم النفس الاجتماعي يجزم بوجود علامات ومعايير الإدمان النفسية والسلوكية والاجتماعية لدى فئة غير قليلة من الذين يسيئون استخدام ‘الإنترنت’ لدرجة أن الأثر قد يتحول إلى حالة ‘إدمان’ وينطبق عليها كل ما يقال عن إدمان المخدرات من أعراض وأضرار نفسية واجتماعية وسلوكية.
    إن هذه الفقرة جد مهمة وخطيرة وللأسف فالواقع الذي نعيشه يؤكد هذه النظرية، فقد أصبح العديد من الناس مدمنين للنترنتـ، وأصبحوا غير صحيين نفسيا، فالأنترنت لا يتركونه إلا في النوم، وأصبح يشكل أكبر خطر على حياتهم. ولقد مررت بتجربة قاسية لكنني والحمد لله تجاوزتها.فالكاتب كان واضحا وقدم للقارىء خلاصة العلم الحديث النفسي

  6. ان الثورة المعلوماتية تفجرت كما يتفجر النبع الجارف.وليس من السهل إيفاف هذا الاندفاع في التطور التكنولوجي اللهم الحث بالتوعية للمخاطر التي تتهدد الإنسان جراء إدمانه للأنترنت ولوسائل التكنولوجيا على حساب صحته وأسرته وأولاده.

  7. لا يمكن لأي أحد أن ينكر أن التكنولوجيا الحديثة غزت حياتنا وأصبحنا تابعين لها، بل أصبحنا مثل مجانين، نكاد نهلوس بالأنترنت ومزاياه ولكن ننسى عيوب الأنترنت وخاطره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com