مازالت العقلية العربية تغريها كثيراً بريق ولمعان البدايات الكروية المدهشة ، والنتائج المذهلة ، وتجعلها تستحضر كتب التاريخ ومجلدات العلماء والفلاسفة والشعراء والكتّاب والكثير من الروايات والحكايات والقصص والأساطير ؛ فتجدها – أي العقلية العربية – تبالغ في تلك البدايات القوية مبالغة في غاية الخيال والأحلام والتي تتجاوز معها منطق كرة القدم ؛ لتحلّق بعيداً بعيداً حتى تكاد تختفي في فضاءات الأمنيات ، فتجد كم هائل من مقاطع المباراة وكم هائل من مونتاج مدعّم بالأغنيات التي تدغدغ مشاعر وأحاسيس الجماهير ، والتي بدورها تعزّز ذاك الفوز أو التعادل بشكل يفتقد للكثير من العقلانية والتريّث والهدوء والتعامل مع الحدث مهما كان حجمه بكل إحترافية ومهنية ، فالقادم يحتاج للتركيز والعمل والمثابرة أكثر وأكثر ، في الوقت الذي نشاهد فيه تلك المنتخبات والأندية العريقة لا تكترث كثيراً لتلك التعثرات التي قد تصادفها في بداية مشوارها في البطولة ( الأدوار التمهيدية ) أو حتى ( الأدوار الاقصائية ) مع المنتخبات أو الأندية الأقل منها ؛ لأنها تعلم بأن كرة القدم قد تلعب الصدفة والمفاجآت والحظ لعبتها ولكن لن تستمر طويلاً ، وما أن تدور رحى البطولة العالمية حتى تتلاشى كل تلك الأحلام والآمال أدراج الرياح ؛ لنعود إلى أحلامنا ثانية وثالثة ورابعة وخامسة !!!!
فكم سافرت بنا نبرات وعبرات المعلق المخضرم علي داود في مونديال 1994 بأمريكا ، وهو يبكي برغبة الخائف وقد تسمّرنا أيامها أمام الشاشات الفضيّة قائلاً :
الله الله يا منتخبنا
إن شاء الله تحقق أملنا !
برافووو يا شباب ، برافوو يا شباب ، برافووو يا شباب وينتهي الشوط الأول بفوز منتخبنا الوطني على المنتخب الهولندي سجلنا هدف وإن شاء الله ما راح يسجلوا ؟!
الأحلام نفسها يصرخ بها المعلق التونسي الكبير عصام الشوالي وصوته يملأ كل الوطن العربي :
مش ممكن ، مش ممكن ، مش ممكن !
طيروا طيروا في العلالي
يا نسور وطنّا الغالي
أحنا وراكم ربّي معاكم
نسووووور قرطاج ترفع رايات النصر وتعيد المجد الخالد ، وتونس تتقدّم على منتخب أسبانيا في عام 2006 ؛ ليعيد لنا المجد التليد يا زمان الوصل بالأندلس !
تتجدد تلك الأمنيات والدعوات وأنت تسمع المعلق الجزائري حفيظ الدراجي لا يكاد يصدّق نفسه والمنتخب الجزائري يقف الند بالند أمام منتخب المانيا ، فينّفث في راحتيه :
نحن من أبطالنا ندفع جندا
و على أشلائنا نصنع مجدا
أوووووووه يا محاربوووووو الصحراااااااء !!!!
أوووووووووو با با با با با الجزائر
وحدها تلعب في كأس العالم !!!!!
ليعيدنا المعلّق العُماني خليل البلوشي في ذات اللحظة المدهشة المليئة بالبكاء :
لا لا لا لا لا لا لا لا !!!!
الأخضر ، الأخضر
أثنين أرخنتينا واحد ، واحد !!!!!
الله ، الله ، الله يا الأخضر !!!!!!
أمام ميسي ورفاقه بعدما تقدّم الأخضر وفاز يومها على منتخب الأرجنتين في افتتاحية مونديال قطر 2022 ، وفي ذات البطولة وعلى مقربة من ذات المسافة العربية تسمع المعلق المغربي جواد بدة وهو يردّد :
المغرب تاريخو باين
وراسو دايما مرفوع
ديما حاضر وكاين
ومايعرف غير الفوز
بزاف ، بزاف ، برشا ، برشا
بعدما فازت المغرب على البرتغال !
مازالت الذاكرة العربية تمارس حقّها في الحُلُم المشروع الذي نعرف مسبقاً تلك النهايات المخيّبة ، والأمنيات المحزنة ولكنها مازالت تحلم ، وتحلم !!!!
بالأمس بعدما فاز الهلال السعودي على فريق مانشستر سيتي الأنجليزي المعلّق الجميل فهد العتيبي يردّد لزمته الشهيرة :
عالمية ، عالمية ، عالمية !!!!
يا زعييييييييم !!!
يا زعييييييييم !!!
يا زعييييييييم !!!
وأنت تشاهد ردود الأفعال في البرامج الرياضية وعبر منصات التواصل الاجتماعي ستدرك أن الفكر الرياضي العربي لم يتغير كثيراً ، وإن تغيّرت الأزمنة والأمكنة فمنذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف مازالت العبارة ” مشاركة مشرّفة ” ومازالت نفس المقارنات ، والمناكفات ، والتراشقات بين المحبين والمعارضين للأندية حتى باتت تلك المنتخبات وعبر اعلامها وجماهير فرقها تحتفل بكم سجل لاعب فريقها هدف في كأس العالم سواء كان هذا الهدف على مستوى المنتخبات أو الأندية ، وهذا هو العجز الرياضي بعينه ، وحقيقة الفرق والمنتخبات العربية وغاية طموحاتها أن تتعادل أو تفوز على منتخبات أو فرق عريقة وكبيرة وكأنّها بهذا قد حققت منجز وطني كبير لا يتكرر !!!
ومضة :
في المؤتمر الصحفي لمدرب المنتخب الياباني “ هاجيمي مورياسو “
سأله المذيع :
لماذا لا تبدو سعيداً بالتأهل لكأس العالم ؟
فقال :
التأهل لكأس العالم ليس غاية بالنسبة لليابانيين الغاية المنافسة بشراسة وتحقيق كأس العالم .
مبدع أستاذ فايع