المحلية

المواقع الإكترونية والثقافة الرّقمية

[RIGHT][COLOR=#FF002E]المواقع الإكترونية والثقافة الرّقمية…؟[/COLOR] [COLOR=#004AFF]بقلم: مصطفى قطبي[/COLOR][/RIGHT] [CENTER][IMG]https://www.makkahnews.sa/contents/myuppic/04f3ef4b14c752.jpg[/IMG][/CENTER]

بداية، قد يكون من المفيد التفريق بين (الأدب) و(الثقافة)، على ما بينهما من صميمية وحميمية، ويمكن القول أن في داخل كل أديب قدراً من الثقافة، هي على الأقل ثقافة الجنس الأدبي الذي يكتبه،‏ وقد يكون الأديب أديباً، أو معدوداً مع الأدباء، دون أن يكون مثقفاً، لأن الثقافة تعني قراءة أنواع متعددة من الإنتاج الذهني البشري، كالفلسفة، والأدب، والتاريخ، والفنون عامة، فالمثقف المقصود هو الذي تعبر عنه تلك الجملة الشعبية التي حين تريد امتداح رجل فإنها تقول: ‘فلان كطبق النحاس، في أي جهة نقرته يرن’، وليس بالضرورة أن يكون المثقف ممن يكتبون جنساً أدبياً، فهو يتذوق، ولديه قدرة على المناقشة الإيجابية، ويدرك بعمق قد يفتقر إليه الكثيرون من الأدباء، وقد يملأ المجالس التي يكون فيها بطاقة عالية من الحضور، والتفنيد، وتسليط الأضواء على زوايا شبه خفية، وقد يكون ممن لم يصدروا كتاباً واحداً، وهو من هذه الناحية غير مطالب بأن يجيد قواعد اللغة، وسلامة الأسلوب، لأنه أصلاً لا يعد مع أصحاب الإنتاج الأدبي، بينما أول الحاجات المطلوبة ممن يريد أن يسير على دروب الأدب أن يتقن من قواعد اللغة ما يؤهله للكتابة السليمة، ولقد انتبه لهذه الناحية أجدادنا في عصر عطائهم الذهبي، ففرقوا بين عالِم (بكسر اللام) القواعد و… الأديب، فنصحوا الأديب بالابتعاد عن معضلات اللغة، وبحورها، وقالوا إنه يكفيه منها ما يستقيم به لسانه.‏‏

كان لابد من هذا القول الذي ستتضح ضرورته في سياق ما نحن بصدده.‏‏
لاشك أن التطورات التكنولوجية أثرت بشكل ما على الكتاب، بل وعلى الكتابة ذاتها، بحكم تلك العلاقة التفاعلية، فاختراع المطبعة يسر الحصول على الكتاب، ولكنه من جهة أخرى يسر أيضاً أن تحضر كتب الأبراج، والطهي، وذلك الصنف من الكتابات الذي يدغدغ عواطف الدهماء وأشباهها، وتلك نقطة مركزية إذ إن لكل مخترع (بفتح الراء) وجهين، وجه مضيء ووجه عاتم، ويتوقف غلبة وجه على وجه، على درجة الوعي العامة، وعلى البنية المجتمعية عامة، فنحن حين نقارن بين البلدان الطامحة للنمو والبلدان المتقدمة في جوانب التراتبية الاجتماعية، سنجد فوارق كبيرة، فحيث يسود القانون دون تهاون، مع أي كان، تتعمق في الذهن مسألة سيادة القانون وتحقيق العدالة، فتنشأ أجيال بكاملها وهي تعي ذلك، وتحترمه، وتقدسه، ولا تتساهل مع من يفرط فيه، والعكس صحيح، النقطة المركزية هي ذاك الوجهان، فها نحن نمخر زمن الأنترنت، والمواقع التي يستطيع إنشاءها من يريد.‏‏ لقد كان إنشاء صحيفة بأربع صفحات في مدينة ما يحتاج إلى العديد من الخطوات الضامنة لكي تصدر، منها أن يكون لها رئيس تحرير، يحمل شهادة تؤهله لتبوء هذا المنصب، أي أن الأهلية والمؤهل ضروريان، وكان الحكم على الدوريات الأدبية بخاصة، يتوقف على مقدار تحقيقها للشرط الأدبي، والسوية الإبداعية.‏‏ لست أنكر أن ثمة مواقع لأدباء بارزين، وكتاب مرموقين يمكن الدخول إليها، والاستفادة منها، وتلك واحدة من مزايا التقنيات العالية المتطورة التي أصبحنا نتعامل معها بشكل يومي، بيد أن مساحة ما يتشبه بالأدب، أو ما يفتقر إلى حدوده الدنيا… صارت أوسع، فبحكم تلك التقنيات المشار إليها صار بمقدور أي طامح، بل وأي طامع، أن يفتتح موقعاً، ويجد من يزوره، ولاسيما أن بعض الزائرين ليسوا ممن يمتلكون القدرة على التمييز بين الغث والسمين، هذا إذا لم يكونوا من مروجي تلك الأصناف، وممن ينفرون من الإبداع الرفيع لعجزهم عن مضاهاته، ويكفيهم من كل ذلك أن يشاهدوا أسماءهم وقد ذيلت بصفة شاعر، أو قاص، أو حتى ناقد! ويزيد من فرحه أن يقرأ ذلك أصدقاؤه، أو صبية زميلة في الجامعة معرفتها بالأدب مثل معرفتي أنا بالفيزياء الذرية، أنا الذي أتلكأ في جدول الضرب، وقد أغمغم، وأجمجم!.‏‏
وبلغة الأرقام فإن ‘الفيسبوك’ يحتل الصدارة في المشتركين بقارة إفريقيا ب 30 مليون مستعمل، بما يعادل 3 في المائة و 25 بالمائة في أوروبا و 48 بالمائة في أمريكا، وتحتل اللغة الإنجليزية الصدارة أثناء الدردشة بنسبة 11 مليوناً والفرنسية ب 7 ملايين والعربية ب 10 ملايين، حيث 600 ألف عربي مشترك جديد خلال شهر واحد، وهو ما يرجح كفة الدول العربية لتصبح اللغة العربية كلغة التواصل الأولى، بخاصة أن 92 بالمائة من مرتادي هذه المواقع يفضلون ‘الفيسبوك’ ثم بعده ‘ماي سبايس’ ب 29 بالمائة، ثم تويتر ب 13 بالمائة.

الذي لا أشك فيه أن عدد المواقع والصفحات الرديئة هو أكثر بكثير من تلك التي ترفد الثقافة والمثقفين بما فيها من إبداع رفيع، وقد يكون هذا المظهر ذا صفة عالمية من حيث التردي، ولعله أمر مطلوب لدى الدوائر الاستخبارية التي تستعين بكبار المفكرين، والمختصين، لتعميم أمر ما، وتسويقه، بحيث تبدو صفة أنه (عالمي) كافية لتبرير مالا يبرر أخلاقياً، وإبداعياً! أو لم يعمموا مقولة إن الفساد عالمي؟! ترويجاً له وهدفهم الأكبر إفشاء الفساد في البلدان المحتاجة للنمو؟ ولو أجرينا مقارنات علمية بين حجم الفساد في بلدانهم والبلدان المعنية الأخرى، لوجدنا بعض ذلك الفساد ربما في الشرائح المالية، والسلطوية العليا، لا على صورة ذلك الانفلات الأخلاقي الذي تشكو منه البلدان الفقيرة والمفقرة.‏‏ أنا لا أستبعد تعميم أنواع الرداءات في البلدان الطامحة للنمو لعرقلة تقدمها، ولإبقائها مشدودة إلى كل ما يعيق تقدمها أو لم يمنحوا المئات إن لم نقل الآلاف من الشباب العرب درجات في الدكتوراه ولا يستحقونها؟!‏‏

إن الخطورة في المساحة الإبداعية الثقافية تشبه خطورة أن يضرب المرض الدماغ أو النخاع الشوكي.‏‏ من منا لم يصادف من تلك النماذج من إذا أخطأ في النحو كتابة أو قراءة، ونبهه أحد بلطف إلى ذلك يكون الجواب حالة من التبرم، والترقع، بل والانخلاع، زاعماً أن لا حد يقف عند هذه التوافه!‏‏
إن التساهل في أمر اللغة لا يقل خطورة عن التساهل في أمر التهريب، ونشر المخدرات، والفساد والإفساد، وكل في ميدانه جد خطير، لنتذكر أن ما نسميه نحن، من حيث التحقيب، زمن النهضة، كان بزوغ إشعاعاته الأولى في اللغة والأدب والثقافة بعامة.‏‏ فقد كان معلم الصفوف الابتدائية يشرح الدروس، على تنوعها بلغة عربية فصيحة قريبة من أفهام تلاميذه، والآن تجد بعض الدكاترة في جامعاتنا يشرحون دروسهم بالعامية، وقد وجدوا ما يستظلون به، وهو أن اختصاصهم ليس اللغة العربية وكأن لغة الأمة تبيح لأبنائها إلا يتقنوها!!‏‏
لنتابع المذيعين والمذيعات الذين يظهرون على شاشاتنا ولنتتبع كمّ الأخطاء في قراءة نشرات الأخبار.‏‏ فكيف بمن يريد أن يرتجل الكلام، وهو من حملة الشهادات الجامعية.‏‏ مثل هذه الأخطاء كان يعاقب عليها في الستينيات، وها قد أصبحت سمة لا تعني أحداً حتى لكأن القانون الفلتان صفات الأواني المستطرقة!!‏‏
لعل السؤال الصعب في هذا أن نقول: ما الحل ؟‏‏ إن صعوبة الحلول المطلوبة لا تسوغ استمرار الخطأ ولذا لابد من وضع الخطط الناجعة، ومتابعة تنفيذها والمنفذون هم دائماً من البشر، ولا يؤتمن على مثل هذا الإنجاز إلا أناس مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، لا بمجرد الولاء! لأن صاحب الضمير الحي، لا يخشى منه حتى حين لا نلتقي معه في جميع الأفكار.‏‏
ثمة أزمة أخلاقية حقيقية، وما لم نبدأ من الأخلاق فسنشعر كثيراً، وقد لا يرافقنا إلا الإخفاق.‏‏ سؤال ما الحل… يشمل أيضاً هذه المواقع الالكترونية، ولأنها خارج حدود السيطرة، وهي معدة لتكون كذلك، لتبقى السيطرة بيد من يمسك طرف الخيط فلا مناص من التشدد في نشر الإبداع الأدبي، فلا ينشر إلا المتميز أو الحامل بذرة الوعد القادم، ولا ندري ما إذا كانت هوشة الديمقراطية الهابة على المنطقة العربية من مواقع القرار العولمي المتوحش سوف تطلع علينا بأنصاف من الموهوبين وبأرباع من المقلدين العجزة، فيشكلون من الاستقطاب ما يعجز عنه حتى المبدعون..‏‏

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إن الخطورة في المساحة الإبداعية الثقافية تشبه خطورة أن يضرب المرض الدماغ أو النخاع الشوكي.
    لقد أعجبتني هذه العبارة التي أجدها تنطبق على المواقع الالكترونية.فقد ضرب المرض معظم المواقع الالكترونية التي تدعي اهتمامها بالأدب وأصبحت تنشر لمن هب ودب.

  2. أشكر الصحيفة على اختيارها لهذا الموضوع بالذات لمناقشته وحقيقة أن الساحة الأدبية أصبحت تعج بالعديد من المقالات الرقمية وتنافس الورقية.لكننا ومع هذا كله نقول أن هذه المنافسة واهية كبيت العنكبوت.فالأصل سيبقى هو الأصل أما الثقافة الرقمية ففي نظري لا تحمل مقومات النجاح، إذهي مثل صيحة في واد.

  3. الموضوع استفزني للتعليق والقول أن المواقع الالكترونية رغم تطورها التكنولوجي ورغم الإغراءات التقنية والفنية الهائلة التي تقدمها إلا أننا لا نجد ما كنا قد تربينا عليه من ثقافة أصيلة وتراث أصيل وأدب وشعر وقصة… فللأسف نجد أطنانا من الكتابات بإسم الثقافة ولكننا لا نجد سوى استنساخ لنفس الأفكار ونفس المضامين.

  4. ثمة أزمة أخلاقية حقيقية، وما لم نبدأ من الأخلاق فسنشعر كثيراً، وقد لا يرافقنا إلا الإخفاق.‏‏ سؤال ما الحل… يشمل أيضاً هذه المواقع الالكترونية، ولأنها خارج حدود السيطرة، وهي معدة لتكون كذلك، لتبقى السيطرة بيد من يمسك طرف الخيط فلا مناص من التشدد في نشر الإبداع الأدبي، فلا ينشر إلا المتميز أو الحامل بذرة الوعد القادم، ولا ندري ما إذا كانت هوشة الديمقراطية الهابة على المنطقة العربية من مواقع القرار العولمي المتوحش سوف تطلع علينا بأنصاف من الموهوبين وبأرباع من المقلدين العجزة، فيشكلون من الاستقطاب ما يعجز عنه حتى المبدعون..‏‏

    أشكر صحيفة مكة الرائعة على تقديم مثل هذه المقالات الجيدة والمميزة لقرائها الأعزاء،وأنا لا أملك إلا أن أردد مع الكاتب أن الأزمة أخلاقية، والفقرة الأخيرة أعلاه هي خلاصة واقعنا العربي الذي يتشابه في كل شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com