عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
[COLOR=#4800FF]وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية[/COLOR] [JUSTIFY]حظيت مدينة الطائف بجمال طبيعتها ؛ ونقاء جوها ورائحة ورودها ؛ وطيب فاكهتها وثمرها ؛ وكرم أهلها ؛ مما جعلني أستجيب لدعوة أخي الشيخ مخلد المطيري باستضافتي في لقاء خاص مع نخبة من طلبة العلم في ليلة ممتعه ؛ بضاحية “وادي ليّة” جنوب الطائف ؛ والتي اشتهرت ببساتينها وسدودها القديمة ؛ وسعدت بهذا اللقاء العلمي والذي حضره عدد من الإخوة الفضلاء من طلبة العلم والمحبين له ، وكانت أبرز فوائد ولطائف هذا اللقاء وأسئلته تدور عن علم من أعلام العلم والمعرفة ؛ وهو الإمام العلامة ؛ والحافظ المحدث ؛ والفقيه المجتهد ؛ صاحب التصانيف أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي والمعروف بـ”بابن قيم الجوزية” رحمه الله المتوفى(سنة 751هـ) وعن مكانته الحديثية..؟ ومؤلفاته في السفر..؟ وأجبت على ذلك في حينه بإجابات مختصرة ؛ وحين عودتي لمكتبتي الخاصة أحببت أن أفيد الإخوة بالزيادةِ قليلاً على ما ذكر في تلك الإجابات ؛ ببعض الفرائد والفوائد من خلال هذه المقالة.
وإن الذي يسبر كتب الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – قراءةً وجرداً تتضح له مكانته الحديثية ؛ وعنايته الفائقة بالسنة النبوية وعلومها ؛ وتمييز الأحاديث والآثار صحيحها من سقيمها ؛ ونقد الروايات التاريخية والحديثية ؛ ومعرفة الرجال ؛ وجرحهم وتعديلهم ؛ وقد بينت ذلك بتوسع في كتابي (جَمْهَرَةُ الأحْكَامِ الحَدِيْثِيَةِ عِنْدَ الإمَامِ ابْنِ قَيّمِ الجَوْزِيَةِ).
ويتلخص منهج الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في الحديث وعلومه في قسمين:
القسم الأول:منهجه في الأحاديث والآثار وذلك من خلال مايلي:
1- مصطلحاته الحديثية:
وذلك بإيراده بعض المصطلحات المختصرة والفريدة للدلالة بالحكم على الحديث ، وقد وافق في بعضها
ماهو شائع الاستعمال عند المحدثين ، ومنها قوله “أحاديث لا مغمز فيها” ؛ أو “حديث مشهور” أو “غاية في الصحة”.
2- طُرق إيراده الحكم على الأحاديث والآثار:
-إما بالتصحيح:كأن يقول “حديث صحيح” أو “ثبت عنه صلى الله عليه وسلم” أو “حديث لا مطعن فيه”.
-وإما بالتحسين: كأن يقول “حديث حسن” أو “وهذا لاينزل عن وسط درجات الحسن”.
-وإما بالتضعيف: كأن يقول “حديث ضعيف” أو “حديث لايثبت” أو “حديث لا أصل له”.
-وإما بصيغة التمريض: وذلك للتعبير عن ضعف الحديث والأثر مع التنصيص على ذلك أحياناً كأن يقول “روي” أو “يذكر” أو “يروى”.
أو بإطلاقه بعض العبارات إشارة منه لتضعيف الحديث أو الأثر مثل عبارة “إن الكذب ينادي عليه في سوق من يزيد” أو كقوله “ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذه الآثار الأربعة على عجرها وبجرها”
3- اهتمامه بالأسانيد:
ونجد الإمام ابن القيم رحمه الله كثيراً ما يهتم بإيراد الأسانيد والروايات وتصحيح بعضها وتمييزها ، ونقد الآخر بالتضعيف ؛ كقوله: “إسناد صحيح” أو “رجال إسناده محتج بهم في الصحيحين” أو “إسناد جيد” أو “إسناد كالشمس” أو “وهذا إسناد لو يفيق مجنون بإسناد صحيح لأفاق به” أو “في إسناده مجاهيل وضعفاء” أو “لا يعلم له إسناد صحيح” أو “إسناد شيعي” أو “إسناده ظلمات بعضها فوق بعض”. وأحياناً نجده ينقل بعض الأحاديث والآثار بإسناده المتصل ؛ ويعبر عن ذلك بقوله: “روينا” أو “حدثني” أو “أنْبَأنا” أو “أنبأني”.
أو كقوله في بعض الروايات :”وهذه من أسقط روايات أهل الكوفة”.
4- استشهاده ببعض الآثار الإسرائيلية والحكم على بعضها:
كأن يقول:”أثر إسرائيلي معروف” أو “أثر إسرائيلي مكذوب” أو “أثر إسرائيلي لايحتج به”.
5- وقفه بعض الأحاديث والآثار على بعض الصحابة والتابعين دون رفعها:
كقوله:”وقد جاء هذا الخبر موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنه بإسناد جيد” أو “موقوف من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد”.
6- ذكره للحديث والأثر لتصحيح الأئمة له والإحتجاج به:
كقوله: “رواه أحمد وأحتج به” أو “وصحح الدار قطني هذا الحديث” أو “واحتج به أئمة أهل السنة”.
7- تأكيده الحكم على الحديث أو الأثر بالحلف (الْقَسَمِ):
ويغلب استعماله للحلف في الأحاديث التي لم تثبت ؛ أو وقع فيها وهمٌ أو غلط كقوله:”فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه” أو “فنحن نحلف بالله أن هذا ما كان في العشر قط”.
8- إيراده لطرق الحديث والتوسع في تخريجها:
يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله بعضاً من الأحاديث المتواترة ثم يتوسع في تخريجها ؛ وذكر عدد طرقها فمن ذلك على سبيل المثال:
-حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من غسل الميت فليغتسل) وقال:”وهذا الحديث له عدة طرق” وذكر منها إحدى عشر طريقاً.
-حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : (الـمرء مع من أحب) وذكر له تسعة عشر طريقاً.
*تنبيهاتٌ:
1- قد يهم أحياناً ابن القيم – رحمه الله – في عزو بعض الأحاديث إلى “الصحيحين” وهي في “السنن” أو العكس وهذا قليل في مصنفاته ولا سيما أنه ألفها في حال السفر ؛ وقد حصل الوهم والنسيان لكبار الحفاظ وهذا أمر دارجٌ عند أهل العلم قديماً.
2- تسميته لبعض الكتب بغير مسمياتها المعروفة ؛ مثل أن يقول:”رواه الحاكم في صحيحه” أو “رواه أبو داود في صحيحه” أو “رواه عبدالرحمن ابن أبي حاتم في سننه” وهذا قليل كذلك.
3- إذا قال ابن القيم: “كما في الصحيح” فيريد به في الغالب الحديث الصحيح لا أحد الصحيحين.
القسم الثاني: منهجه في الجرح والتعديل:
وقد تتبعت جملاً كثيرة وحروفاً بارزةً من أقوال الإمام ابن قيم الجوزية في علم الرجال يظهر من مجموعها أنه معدود من الأئمة المعنيين بهذا الشأن ؛ والمتأمل لأرائه وإفاداته في الرجال يشهد له برسوخ قدمه في علم الجرح والتعديل ؛ وقد بنى هذه الآراء والإفادات على قواعد هذا الفن ؛ ولا أدل على ذلك من اعتماد بعض الأئمة على أقواله في الجرح والتعديل كالحافظ ابن حجر رحمه الله حيث نقل عنه في “تهذيب التهذيب”(6/201) في ترجمة عبدالرحمن الخزاعي فقال: (قال أبو عبدالله ابن القيم:مجهول لايعرف في غير هذا الحديث ، ولم يذكره أحد المتقدمين). وعليه يتضح أن للإمام ابن قيم الجوزية أحكاماً خاصة على بعض الرواة لم يتكلم فيهم سواه.
وإن للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله مصطلحات خاصة وفريدة في الجرح والتعديل حيث لم تعهد عند أهل الفن ومن هذه المصطلحات كقوله:
* “وهو ابن صبيح الذي لم يسفر صباحُ صدقه في الرواية”.
– ذكره في “تهذيب السنن”(6/324) في : “عمر بن صُبَيح”.
* “مجهول لا يعرف ؛ ونكرة لا تتعرف”.
– في “فوائد حديثية” (ص61) في “يعلى الغزال”.
* “وكان جبلاً نفخ فيه الروح علماً وجلالةً ونبلاً وأدباً”.
– ذكره في “إعلام الموقعين” (1/48) في “القاسم بن سلام”.
* “ارتقى من حد الضعف إلى الترك”.
– ذكره في “إعلام الموقعين”(4/482) في “الجارود بن يزيد”.
وأختم هذه الفرائد واللطائف باعتناء الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – بالتأليف ؛ فقد اعتنى به عناية فائقة وخاصة ؛ حتى أنه لم يتركه في السفر ولا في الحضر ؛ وإن من أهم مصنفاته التي ألفها في حال السفر ؛ حيث لم يشغله سفره عن التأليف والتصنيف هي كالتالي:
1-“بدائع الفوائد”.
2-“تهذيب السنن”.
3-“روضة المحبين ونزهة المشتاقين”.
4-“زاد المعاد في هدي خير العباد”.
5-“مفتاح دار السعادة”.
6-“الفروسية”.
فرحم الله الإمام ابن قيم الجوزية وأسكنه فسيح جناته ؛ وجمعنا به في دار كرامته ؛ انه ولي ذلك والقادر عليه ؛ وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.[/JUSTIFY]
جزى الله شيخنا الفاضل خيرا ، على التوضيحات الجلية عن ابن القيم الجوزية علم من أعلام الأمة الإسلامية ، ونفع به طلبة العلم المبتدئين ، ومتعه الله بالصّحة والعافية ، وبارك له فيما بقي من شعبان وبلّغّه رمضان وهو في صحة وعافية ووفقه للصيام والقيام … آمين .
جزى الله شيخنا الفاضل خيرا ، على التوضيحات الجلية عن ابن القيم الجوزية علم من أعلام الأمة الإسلامية ، ونفع به طلبة العلم المبتدئين ، ومتعه الله بالصّحة والعافية ، وبارك له فيما بقي من شعبان وبلّغّه رمضان وهو في صحة وعافية ووفقه للصيام والقيام … آمين .