
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
[COLOR=#0300FF]وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية[/COLOR] [JUSTIFY]يتجدد بنا هذا اللقاء العلمي الخاص بمدينة الطائف في مساء هذا اليوم الأربعاء 26 رجب 1434هـ وقد خاطرت نفسي فيما أتحدث به إليكم في عروس المصايف ؛ ومدينة الورد ؛ ومهد الحضارة التاريخية ؛ ورمز الأدب والثقافة ؛ فأطل عليّ قول الإمام الفقيه والمحدث محي الدين أبي زكريا يحيى النووي – رحمه الله – المتوفى (سنة 676هـ) في “مقدمته” على شرح مسلم صحيح حيث قال مانصه: (اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القران العزيز “الصحيحان” ؛ البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول ؛ وكتاب “البخاري” أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف).
فكان عنوان هذا المجلس: (وَقَفَاتٌ مَعَ صَحِيحِ الإمَامِ البُخَارِيُ):
مجالس العلم تروي كل قصتنا * إن قلت حدثنا يحيى وسفيانُ
الوقفة الأولى:فضل العلم ولا سيما علم الحديث:
إن خير ما قضيت به الأوقات والأعمار هو طلب العلم والإشتغال به ؛ والعلم ضد الجهل ؛ والجهل هو داءٌ قاتلٌ يقتل صاحبه من حيث لا يشعر كما قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – :
[CENTER] والجهلُ داءٌ قاتلٌ وشفاؤهُ * أمرانِ فـي التركيبِ مُتَفِقَانِ
عِلمٌ من القُرآنِ أو من سُنَةٍ * وطَبيبُ ذاكَ العَالِمُ الرَبَاني[/CENTER]
والعلم إذا أطلق فالمراد به العلم الشرعي ؛ وهو العلم بالله وبأسمائه وصفاته ؛ والعلم بحقه على عباده وبما شرعه لهم ؛ وبالعلم يعرف الله سبحانه وتعالى وبه يعبد ؛ وقد شرف الله تعالى أهل العلم ؛ ونوه بهم ، وعظم شأنهم ، واستشهدهم على توحيده والإخلاص له حيث قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأُولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وبين عزوجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم ؛ فمن ذلك مارواه مسلم في “صحيحه” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
وأفضل العلوم بعد كتاب الله تعالى وتفسيره “علم الحديث” لأنه العلم الذي به تستقيم عقيدة المسلم ،
وبه يسلم فقهه من الزلل ، وفهمه من الانحراف ؛ كيف لا وهو يعيش مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع آثار السلف الصالح ، وعلم الحديث هو علم الصدر الأول ، والذي عليه بعد القرآن المعول ، وهو لعلوم الإسلام أصل وأساس ، وهو المفسر للقرآن بشهادة “لتبين للناس” ، وهو الذي قال الله عزوجل فيه تصريحاً (إن هو إلا وحي يوحى) وهو العلم الذي وصفه الصادق الأمين ، بمماثلة القران المبين حين قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أُتيتُ القرآن ومثله معهُ)وهو العلم الذي ورثه المصطفى المختار ، والصحابة الأبرار ، والتابعون الأخيار ، وهو العلم الذي يسلك بصاحبه نهج السلامة ، ويوصله إلى دار الكرامة:
أهل الحديث هموا أهل النبي وإن * لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
الوقفة الثانية:ترجمة موجزةٌ للإمام البخاري:
وهو أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي ، ولد ببخارى في يوم الجمعة الحادي عشر من شهر شوال من سنة 194هـ ؛ ونشأ يتيماً حيث توفي أبوه وهو صغير السن وكان يقول رحمه الله: (ما اغتبت أحداً منذ عقلت رشدي) فكيف بحالنا اليوم وقد أصبحت الغيبة والنميمة هي فاكهة المجالس ، وإذا حدث شخص في ذلك قال:هذا على زمان الإمام البخاري ؛ أما زماننا اليوم فالله المستعان ؛ ويبدأ ينوح على زمانه ويعيبه ويصدق فيه قول الإمام الشافعي رحمه الله:
نعيب زمـانـنا والعيب فـيـنا * ومـا لـزماننا عيب سـوانا
وقـد نهجو الـزمـان بغير ظلم * ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضاَ عيانا
وقد أثنى على الإمام البخاري جمٌ غفير من علماء أهل السنة رحمهم الله وعلى رأسهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد فقال:”ما أخرجت خُراسان مثله” ؛ وقال علي بن عبدالله بن المديني شيخ البخاري:”لم بر البخاري مثل نفسه” ؛ وقال ابن خزيمة:”لم أرى تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ من البخاري” ؛ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:”أما البخاري فهو من أعلم خلق الله بالحديث” وقال ابن قيم الجوزية:”أجل من صنف في الحديث الصحيح”.
ونزح رحمه الله من بلده بخارى إلى بلدة يقال لها “خرتنك” وجعل يدعوا الله تعالى أن يقبضه إليه لما هاله ما رأى من كثرة الفتن ، وأتفق ذلك مع مرضه فتوفي ليلة السبت من عيد الفطر سنة256هـ ، ووسد في قبره تحت التراب ؛ وبقي حياً بيننا بذكره وعلمه وكتبه وكما قيل:
يَارُبَ حي رخام القبر مسكنه * وربَ مَيتٍ على أقدامه انتصبا
الوقفة الثالثة:اسم كتابه وسبب تأليفه:
إن العنوان المشهور للكتاب في بعض الطبعات “الجامع الصحيح” أو “صحيح البخاري” واسمه الذي أسماه مؤلفه هو “الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”
وسبب تأليفه:هو أن البخاري حضر مجلس شيخه إسحاق بن راهويه ذات مرة وهو يحدث طلابه ويشير عليهم ويقول:لو أن أحداً قام بالتأليف في صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فوقع ذلك في قلبه وبدأ في تأليف صحيحه. وقيل:أنه رأى رؤيا كأنه يذب عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذباب بمروحة ؛ فأولت بأنه يذب الكذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم..وهذه الرؤيا كانت دافعاً للإمام البخاري في تأليف جامعه الصحيح ؛ وكان يقول رحمه الله:”صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام ؛ وما أدخلت فيه حديثاً حتى استخرت الله تعالى ؛ وصليت ركعتين وتيقنت صحته” وقال أيضاً:”صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة ، وجعلته حُجّة فيما بيني وبين الله تعالى”.
الوقفة الرابعة:هل كتب البخاري مقدمة في صحيحه؟:
من المعلوم أن كل مؤلف إذا أراد أن يصنف كتاباً في فن معين كتب مقدمة يبن فيها منهجه وأسلوبه وغرضه من التأليف ؛ أما الإمام البخاري فلم يكتب مقدمة في صحيحه بخلاف مسلم ، وقد أجيب عن ذلك بعدة أمور:أنه قد كتب مقدمة فسقطت ؛ وقيل: أخذ بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) فلم يقدم على كلام الله ورسوله شيئاً ؛ وقيل: اكتفى بالبسملة فجعلها مقدمة.
الوقفة الخامسة:مراتب الصحيح:
1-المتفق عليه أعلاهم في الدرجة.
2- ما كان على شرطهما ولم يخرجاه.
3- مارواه البخاري فقط.
4- مارواه مسلم فقط.
5- ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه.
6- ما كان على شرط مسلم ولم يخرجه.
7- ما صح عن غيرهم من الأئمة مثل ابن خزيمة والحاكم والترمذي.
الوقفة السادسة:شروط البخاري:
إن للإمام البخاري أربعة شروط:المعاصرة ؛ تحقيق اللقاء ؛ تحقيق السماع ولو مرة ؛ إنتفاء الطعن في
السماع مطلقاً. ويختلف مع الإمام مسلم في شرط واحد فقط وهو:تحقيق اللقاء.
الوقفة السابعة:أقسام التبويب عند البخاري:
والتبويب عند الإمام البخاري على ثلاثة أقسام:
الأول:أن يأخذ الباب من الحديث مباشرة كقوله في كتاب الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ؛ وهذا نص حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.
الثاني:أن يأتي بالحديث وإن لم يكن على شرطه فيجعله باباً ومثاله في كتاب الأذان باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ؛ ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم:”أئتموا بي وليأتم بكم من بعدكم”.
الثالث:أن يستنبط من الحديث باباً وهذا ما يسمى بفقه البخاري ومثاله في قصة الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان ؛ أتى بها في كتاب الوكالة باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز.
الوقفة الثامنة:هل أنتقد البخاري في صحيحه:
إن كل كتاب لابد أن يعتريه الخطأ والنقصان عند الانتقاد ؛ وأنه لا يصفوا محتواه من الكدر عند النقاد ؛ إلا كتاب واحد فقط وهو كتاب الله عزوجل(الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) والإمام البخاري قد أنتقد في صحيحه ومن جملة من انتقده الإمام الدارقطني ورد عليه ابن حجر في الفتح ، وكذلك الإمام أبو الوليد الباجي قال: في صحيح البخاري حديث واحد وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين” وعلله بأن الحسن لم يروي عن أبي بكرة وبينهما انقطاع ؛ فرد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”(18/19) وقال:”الصواب مع البخاري وأن الحسن سمعه من أبي بكرة “.
وأيضاً ممن انتقد البخاري الإمام ابن حزم الأندلسي وقال:في صحيح البخاري حديث واحد ضعيف وهو حديث الغناء وعلله بأن البخاري لم يلقى هشام ابن عمار هذا الشيخ الذي روى فرد عليه الجمهور فقالوا: بل لقيه وأتصل السند.
الوقفة التاسعة:المعلقات في صحيح البخاري وأسباب التعليق:
الحديث المعلق هو الذي يحذف من أول سنده رجل فأكثر إلى آخر السند أو مادون ذلك قال السيوطي:
مـا أول الإسناد مـنـه يطلـق * ولـو إلـى آخـره معلـق
وفي الصحيح ذا كثير فالذي * أتى بصيغة الجزم خُـذِ
والمعلقات في صحيح البخاري على قسمين ؛ القسم الأول: ما روي بصيغة الجزم كأن يقول:وقال عليه الصلاة والسلام ؛ وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ؛ وهو على ثلاثة أقسام:
1- ما كان صحيحاً على شرط غيره كقوله:عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يذكر الله على كل أحيانه) “رواه مسلم”.
2- ما كان حسناً بصيغة الجزم كقوله: عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خلع ملابسه خالياً أو وحده فقال عليه الصلاة والسلام: ( فالله أحق أن يستحي منه).”رواه الترمذي”.
3- ما كان ضعيفاً ومنجبراً بصيغة الجزم:كقول طاووس بن كيسان عن معاذ رضي الله عنه: ( أنه كان يقول لأهل اليمن أتوني بالثياب من الصبيغ واللبيس مكان الذرة والشعير في الزكاة لأنها أوفق لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة) وطاووس لم يروي عن معاذ وبينهما انقطاع ؛ ولكنه منجبر بطرق أخرى وذكره البخاري في الزكاة معلقاً.
القسم الثاني:ما روي بصيغة التمريض كأن يقول:ويذكر ؛ ويروى ؛ ويحكى ؛ وهو على خمسة أقسام:
1- ما كان على شرطه ولكن رواه بالمعنى كقوله:ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (يرقى بسورة الفاتحة).
2- ما كان على شرط غيره وعلقه كقوله:ويذكر عن عبدالله بن السائب رضي الله عنه: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في الصبح حتى بلغ ذكر موسى وهارون فأخذته سعلة فركع)”رواه مسلم”.
3- ما كان حسناً بصيغة التمريض كقوله:ويذكر عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل) “رواه الدارقطني”.
4- ما كان يعضده العمل كقوله:ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى بالدين قبل الوصية) “رواه الترمذي”.
5- ما كان ضعيفاً ولا عاضد له كقوله:ويذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتطوع الإمام مكانه).
*أسباب التعليق:
أولاً:لتكرار الحديث. ثانياً:ليبين سماع أحد رواته من شيخه إذا كان موصوفاً بالتدليس. ثالثاً:أن يكون موقوفاً على صحابي غير مرفوع. رابعاً:أن يكون في أحد رواته من لم يبلغ درجة الضبط والإتقان وإن كان ثقة في نفسه فلا يرتقي لشرطه فيعلق الحديث تنبيها عليه. خامساً:لإسناد معنى الحديث في الباب فينبه عليه بالتعليق اختصاراً.
الوقفة العاشرة : افتتاح البخاري كتابه بالرواية عن الحميدي:
افتتح الإمام البخاري كتابه “الجامع الصحيح” بالرواية عن شيخه عبدالله بن الزبير الحميدي صاحب المسند امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: (قدموا قريشاً) ولكون الحميدي أفقه قرشي أخذ عنه.
وقيل:لأنه مكي كشيخه فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لكون ابتداؤه كان بمكة.
الوقفة الحادية عشر:شيوخ الإمام البخاري وتلاميذه:
لقد روى الإمام البخاري الحديث عن أكثر من ألف شيخ التقى بهم في البلدان والأمصار التي رحل إليها ولا مجال لتعدادهم فضلاً عن الحديث عن كل واحد منهم وكذلك تلاميذه ؛ ولذا سأكتفي بأشهرهم:
*شيوخ البخاري:الإمام أحمد ، علي بن المديني ، حماد بن شاكر ، أبوبكر الحميدي ، يحيى بن معين ، أبو عاصم الشيباني ، إبراهيم بن المنذر ، إبراهيم بن معقل.
*تلاميذ البخاري:الإمام مسلم بن الحجاج ، الترمذي ، النسائي ، ابن أبي الدنيا ، أبو حاتم الرازي ، إبراهيم الحربي.
الوقفة الثانية عشر: آخر حديث في صحيح البخاري:
أخرجه الإمام البخاري في كتاب التوحيد ؛ باب “ونضع الموازين القسط ليوم القيامة” ؛ حدثنا أحمد بن إشكاب ؛ حدثنا محمد بن فضيل ، عن عُمَارةُ بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم).
وَخِتَاماً أسال الله عزوجل أن ينفعنا بما سمعنا ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يعفو عنا زلاَّتنا وأخطاءنا يوم لاينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم.[/JUSTIFY]
شكرا لشيخنا الفاضل على هذه الكلمات الرائعة عن طلب العلم والحث عليه لعل الناشئة تقرأ هذه الكلمات الرائعة وتستفيد من نصائحه ، ويحذون حذو الإمام البخاري في طلب العلم ، متع الله شيخنا الفاضل بالصحة والعافية ليفيدنا من علمه الغزير ونفعنا به وبعلمه .
شكرا لشيخنا الفاضل على هذه الكلمات الرائعة عن طلب العلم والحث عليه لعل الناشئة تقرأ هذه الكلمات الرائعة وتستفيد من نصائحه ، ويحذون حذو الإمام البخاري في طلب العلم ، متع الله شيخنا الفاضل بالصحة والعافية ليفيدنا من علمه الغزير ونفعنا به وبعلمه .