المقالات

رَحِمَ اللهُ حَكِيمَ الإنْسَانِيَّةِ وفَقِيدَهَا

فُجِعَ وطننا الكبير والعالم أجمع نعي خادم الحرمين الشريفين الملك/عبد الله بن عبد العزيز آل سعود-رحمه الله وأسكنه الجنة- فجر يوم الجمعة 3/4/1436هـ الموافق 23/1/2015م بالرغم من علم الجميع بمرضه.. ويقينهم بأن )كل نفس ذائقة الموت(، وفقد وطننا الشامخ، والأمة العربية، والأسرة الدولية: قائداً عظيماً حكيماً محنكاً، حُقَّ لَنَا أَنْ نَسَمِّيَهُ: (بحكيم الإنسانية)، رجلاً من أعقل رجالات الأمة وحكمائها القلائل، فقد كشفت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية الرائدة في عالمي السياسة والاقتصاد، في عددها لشهري مايو – يونيو 2013، أن خادم الحرمين الشريفين الملك/عبد الله بن عبد العزيز ضمن الشخصيات الـ 500 الأكثر تأثيراً في العالم، حيث تمكن من الحفاظ على مكانته المرموقة على جميع المستويات المحلية، والإقليمية، والعالمية، بمواقفه السياسية التي أثرت إيجابياً، ولاقت صدى لافتا وإعجابا لدى شعوب العالم جميعا، كما أن قيادته وإدارته الحكيمة لاقتصاد بلاده مكنت الرياض من الارتقاء إلى مستويات قياسية بين دول العالم. لقد خيم الحزن، وساد الأسى مشاعر الناس بوطننا الكبير الغالي المملكة العربية السعودية شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، والملايين من الناس في أرجاء الوطن العربي والعالمي بنعي وفاته.. تُرَى لماذا؟! لماذا الحزن والبكاء على رحيل الملك/عبد الله بن عبد العزيز؟ إنه الحب.. والود.. والوفاء.. والاحترام.. والعرفان.. والإنجازات.. والمواقف.. لعطاء شخص ذلكم الإمام الهمام ملك الإنسانية/عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله-. إن شخصية فقيدنا الراحل وما تحلى به من خلال وتميز به من خصال: جديرةٌ بالتأمل، والدراسة، والتحليل؛ فهو من القادة القلائل العظام في هذا الزمان، ممن أوتي الحكمة، والحنكة، والفراسة، وبعد النظر، وحسن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ومواقفه العادلة المتزنة في تحقيق الخير، والنماء، والرخاء، والاستقرار للعالم أجمع، سراجه المنير في مسيرته وعطائه: حبه لدينه، ووطنه، وشعبه، وأمته، وبذله الخير للإنسانية جمعاء، لقد تجلت روحه الإنسانية، وعطفه الأبوي في أعماله وتصرفاته وقراراته، وتوجيهاته؛ ولا غرو.. فأن تجمع بين محاسن الصفات، ومكارم الأخلاق كالتواضع والبساطة، والكرم والسخاء، وحسن الخلق مع الموافق والمخالف، والرحمة والشفقة، والشجاعة والحزم، والعفو والصفح… فهذا قليلٌ في الرجال، وصفات الكبار، وخلال العظام التي لا يؤتاها ولا يوفق لها أي أحدٍ. أما وقد ترجل فقيدنا الراحل وأفضى إلى خالقه ومولاه، فحقه علينا: الاعتراف بفضله، والثناء على جهوده، وذكر محاسنه، وفاءً وعرفاناً، وتوثيقاً لمكانته وعطائه، ولا يتسع مقالي هذا سوى إلماحاتٍ مقتضبة مختصرة عن ذلكم الإمام الراحل/عبد الله بن عبد العزيز-طيب الله ثراه- والشيء من معدنه لا يستغرب! فهذا الشبل المترجل(عبد الله) من ذلكم الضرغام الهمام(عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود)-رحمهما الله-

[CENTER]سِرُّ تَوْفِيقِ المَلِكِ عَبْدِ اللهِ ونَجَاحَاتهِ
[/CENTER]
فقيد الوطن والأمة الراحل أفضى إلى ما قدم، ولا نملك البوح عنه إلا بالظواهر من أعماله ومواقفه، ومنجزاته، والبواطن علمها عند ربي، وكل من عرف الفقيد، وتتبع مسيرته يُقِرُّ بإخلاصه في أعماله، وهذا ظاهر وبادٍ للعيان من عطائه المتدفق، وعمله المتواصل، وغيرته على وطنه وأمته، مسيرة حياته، والإخلاص من أسباب قبول العمل والتوفيق فيه، ثُمَّ ما تمتع به الراحل من الصفات الجبلية الحميدة، والأخلاق الإسلامية الكريمة، فالراحل عربيٌّ أصيلٌ سليل أسرةٍ عريقةٍ في الأصالة، والتدين، والمكانة، وسمو الأخلاق. تميز الراحل بمتانة تدينه، وتعلقه بالله تعالى، واعتزازه بدينه وتاريخه وعروبته، وجُبِلَ على التَّواضع ولين الجانب، والسماحة، والبساطة، والبشر، وعدم التكلف، والكرم والسخاء، وقربه من الناس، ومعايشته لأحوالهم، وتفقده لهم، مع كياسة ودهاء كبير، كما كان فقيدنا الراحل يتمتع بحنان متوازن، وشفقة أبوية إنسانية عالية؛ فتفانيه في عمله واستشعاره لعظم المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه تجاه دينه، وشعبه، وأمته، في قيادة وطن بوزن المملكة العربية السعودية، تزيده إصراراً وحرصاً على رعاية مصالح الناس. ولهذا فمحبته للناس، وقربه منهم، وتلمسه لاحتياجاتهم: جعله يتخذ الكثير من القرارات الموفقة التي تصب في صالح المجتمع الوطني، والعربي، والإنساني. لقد راهن بعض قصيري النظر في فهم شخصية إمامنا الراحل-رحمه الله- وقدرته على تحمل مسؤولية إدارة الدولة بكفاءة واقتدار، وإدارة شؤون الأزمات الداخلية والخارجية للبلاد، واستقلوا إمكاناته وقدراته!! وكان الواقع أبلغ جوابٍ.. وأنجع ردٍ على توقعاتهم: إنجازاتٌ تاريخيةٌ فريدةٌ في كل الميادين، في الشأن الداخلي المحلي، والخارجي الدولي، بعد نظرٍ وحنكةٍ، ودهاء في السياسة، والاقتصاد، والأمن، والتعليم، والتنمية المجتمعية المتعددة الجوانب، ومختلفة الأبعاد والأطر. على أن المتابع الفطن، والمحلل الفهم، قد أدرك من وقتٍ مبكرٍ، وتفرس مكانة الراحل، وتنبأ بحسن إدارته وقيادته للدولة مذ تحمل الراحل مسؤولية ولاية العهد، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك/فهد بن عبد العزيز-رحمه الله-، وأثبت الواقع المعاش: حسن إدارة الراحل لشؤون البلاد بكفاءة واقتدار، ولهذا استحقَّ نعته بجدارة: (بحكيم العرب).. بل (حكيم الإنسانية)، شهدت له شيمه العربية الأصيلة، وقراراته الحكيمة، وإجراءاته الحاسمة، بكمال عقله وسداد رأيه، وحسن قيادته، ونجاح إدارته.

[CENTER]حُبُّ الرَّاحِلِ لِشَعْبِهِ وحُبُّ الشَعْبِ لَهُ
[/CENTER]
الأرواح جنودٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف.. وما تناكر منها اختلف.. وهذه الأسرة المباركة (آل سعود)، سكن حبها في قلوب القبائل والعشائر والأعيان والوجهاء في ثرى هذا الوطن الكبير.. شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وقد حظي جلالة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود-طيب الله ثراه- بمكانةٍ عليةٍ ومحبةٍ جليةٍ من عموم قاطني الجزيرة العربية على اختلاف قبائلها وعشائرها وأعراقها وسكانها، مذعنين له، خاضعين لحكمه، مثمنين جهاده في توحيد البلاد، وجمع الناس على الدين الإسلامي الصحيح، وتوحيدهم بعد شتات وتفرق، والتأليف بينهم بعد تشرذمٍ وتمزق، بل امتدت محبته وتقديره والاعتراف بفضله لتشمل الوطن العربي والإسلامي؛ فليس غريباً استمرار محبة أبناء الملك المؤسس من بعده، ومنهم خادم الحرمين الشريفين الملك/عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله-. لقد بكى الناس لوفاة فقيدنا الراحل، صغارهم قبل كبارهم.. اعتصرت قلوبهم ألماً وحسرةً، وحزنوا حزناً بليغاً، رافعين أكف الضراعة إلى الله، تلهج أفواههم بالدعاء له.. فالراحل عشق وطنه، وأحب شعبه بإخلاص، وبادله شعبه المحبة والوفاء والإجلال.. وهذا دليل الصدق والقبول، لن ينسى الناس أبداً، وصاياه للأمراء، والوزراء، والسفراء، وكل رجلات الدولة: ((من ذمتي لذمتكم…))، ((عليكم بخدمة الدين، والوطن، والشعب السعودي))، ((عليكم بخدمة المواطن السعودي والسعي لراحته…))، ((.. أهم شيء عندي الدين، والمواطن، وخدمة الشعب))، حتى في مرض موته، أوصى نائبيه الملك/سلمان، وولي عهده الأمير مقرن، بخدمة الدين، والوطن، والشعب السعودي.. لن ينسى الناس الكثير من مواقفه وتوجيهاته التي حلت مشكلاتهم، ولبت احتياجاتهم، سيتذكر الناس اصطفافه-رحمه الله- في صف المواطنين، ومساندتهم في كل مطالبهم العادلة، ولن ينسى الناس الأوامر السامية الكريمة المعممة على كل الجهات بعدم إحداث أي أمر يمس المواطن، وآخرها أمره الكريم بإيصال الكهرباء لملاك المساكن العشوائية ممن لا يملكون صكوكاً شرعية بملكيتها. لقد عشق فقيدنا الراحل وطنه وأحب شعبه… وبادله شعبه المحبة والتقدير والاحترام.. من هنا تجلت اللحمة الوطنية المتينة، ودعائم الوحدة المجتمعية القوية في المجتمع السعودي، لن ينسى الناس قوله-رحمه الله- لما اكْتُشِفَتْ آبارٌ للغاز الطبيعي وآبار للنفط الخام جديدة بالمنطقة الشرقية: ((خلوها لعيالنا.. وعيال عيالنا…)) أيُّ عطفٍ وحَنَانٍ، وأبوةٍ، ووطنِيَّةٍ جسيمةٍ متربعة في قلب هذا الرجل الكبير؟!

لَمَحَاتٌ إنْسَانِيَّةٌ واجْتِمَاعِيَّةٌ لِلْفَقِيدِ

إن فقيدنا الراحل-رحمه الله- مدرسةٌ إنسانيةٌ واجتماعيةٌ فريدةٌ، كل من أدرك الراحل وتعامل معه، وعاشره، وتابع أعماله وإنجازاته، يلحظُ مساحة العطف والحنان، والأبوة، والإنسانية الراقية التي تمتع بها الفقيد، وجوانب إنسانيته العظيمة منبعها تركيبة شخصيته العربية الأصيلة، فاصطبغت مواقفه الاجتماعية، وقراراته الوطنية: بالعطف والحنان والكرم، وهذا من أسرار محبته لشعبه، ومحبة شعبه له، امتدت مواقفه الإنسانية السخية، وأياديه البيضاء لعموم الناس في الداخل والخارج؛ أفاد منها المواطنون، والمقيمون، والكثير من أبناء الوطن العربي والإسلامي والعالمي، وهذا اكسبه محبةً وشعبيةً تربعت في قلوب الناس، كيف لا؟ وقد تحمل هَمَّ الأمَّة العربية والإسلامية، فلن ينسى الناس أبداً تبرعاته السخية للجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية، سخاؤه في دعم مشاريع خدمة القرآن الكريم طباعةً وتوزيعاً وتعلماً وتحفيظاً، لن ينسى الناس تفقده للفقراء والمعوزين في الرياض، وتكليفه بعض رجاله سراً لتفقد الفقراء والمعوزين في المناطق، وصدقاته التي كان يبعث بها سراً، لفقراء الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، والمدينة النبوية، وقد قدر لي مشاهدة بعض ذلك عياناً، فلا أتحدث من فراغ. لن ينسى الناس مواقفه الانسانية والاجتماعية كتبنيه لمشاريع الإسكان الخيري عن والديه، وتوزيعها للمواطنين، سعيه لإصلاح ذات البين والتنازل بالصلح في قضايا القتل العمد، معاهدته للفقراء والمساكين في مناطق المملكة، وبعث صدقات سرية ومنح دورية توزع عليهم، أمره بمنح المواطنين سيما الشباب والشابات العاطلات عن العمل مخصصات مالية وفق نظام حافز، رفعه لرواتب ذوي الاحتياجات الخاصة بالضمان الاجتماعي حتى بلغت (14) مليار ريال سعودي، بعد أن كانت ملياراً واحداً، وأصبحت تمنح شهرياً بدل أن كانت سنوية، ورفعه لرواتب الموظفين، ومعاشات المتقاعدين، ومخصصات مستفدي الضمان الاجتماعي، وتبنيه لعلاج الأطفال السياميين في جميع أنحاء العالم على نفقته، وتبنيه للمشروعات الاجتماعية والثقافية الهادفة الرامية لتعزيز اللحمة الوطنية كمركز الحوار الوطني، وهيئة حقوق الإنسان، وغير ذلك مما يطول إيراده، ويصعب استقصاؤه.

[CENTER]إنجازاتٌ تَارِيخِيَّةٌ غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ
[/CENTER]
على الصعيد الداخلي: شيد فقيدنا الراحل أساسات متينة لبنيانٍ شاهقٍ من الإنجازات للوطن، ومهد لمن بعده مواصلة البناء.. وبإنجازات الراحل رفع مكانة الوطن للصدارة في مصاف كبريات الدول النامية المتقدمة، فمن إنجازاته: توطيد متانة الجبهة الداخلية، وتوثق اللحمة الوطنية في المجتمع بين الراعي والرعية، وترسيخ بناء الوحدة الوطنية الصلبة، وبهذا حمى الجبهة الداخلية من التصدع أو نفوذ أعداء الوطن منها، فعزز نشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، وحارب الغلو والتطرف والإرهاب على مختلف الأصعدة: أمنياً وثقافياً وفكرياً، ونجح في ترسيخ الأمن المجتمعي الوطني النابع من المواطن قبل رجل الأمن، مع إيقاظ الحس الوطني للناس في مكافحة التطرف والإرهاب، والحقيقة إن من أعظم إنجازات الراحل تعزيز الأمن، وصيانته في أرجاء الوطن والقضاء على فكر التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه، ومن أسباب نجاحه في هذا العمل على مساراتٍ عدة، أمنية، واجتماعية، ودينية، وثقافية فكرية، وحوارية، وعقد العديد من الفعاليات والبرامج المختلفة، والمؤتمرات الدولية والإقليمية لترسيخ الوسطية، ومكافحة الغلو والتطرف والإرهاب، حتى أشاد بجهود المملكة بذلك العالم أجمع، لا سيما مبادرة الراحل بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. وماذا عسى أن أقول إنجازاته العملاقة الكثيرة، ماذا أقول عن: أكبر وأضخمِ توسعة تاريخية للمسجدين الشريفين بمكة المكرمة، والمدينة النبوية؟! وماذا عسى أن أقول، عن: المشاريع العملاقة لتشييد المشاعر المقدسة(عرفات، مزدلفة، منى) وتطوير مرافقها وشبكات الطرق فيها بما لم تشهده من قبل, ناهيك تطوير مدينة مكة المكرمة، والمدينة النبوية بإعادة رسم مركزيهما بما يتفق مع التوسعات العملاقة فيهما!! ماذا أقول عن الخدمات المقدمة لملايين الحجاج والعمار، والزوار للمسجدين الشريفين، ومنه: سقيا زمزم، وإنشاء مصنع تعبئة ماء زمزم لتسهيل حصول عموم الناس لا سيما الزوار والعمار والحجاج، على عبوات الماء بشكل آمنٍ وصحيٍّ. ماذا أقول عن سياسته المالية والاقتصادية البالغة في الحكمة والتدبير في وقت يشهد العالم أزمات اقتصادية جسيمة أثرت في كثير من الدول، إلا أن بعد نظر الراحل وحسن سياسته الاقتصادية جعل بلادنا الغالية بمنأى عن التأثر بالتموجات الاقتصادية، والأزمات المالية، التي تمر بها كثير من الدول، بل إن اقتصاد المملكة في نمو وترعرع، وما تبنيه إنشاء للمشاريع الاقتصادية الكبرى إلا دليل على هذا، ومن مشاريعه الكبرى مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بثول. ماذا عسى أن أقول عما شهدته مسيرة التعليم في البلاد، من نموٍ سريعٍ وتطورٍ عملاقٍ غير مسبوق في تاريخ الدولة، فمن(13) ألف مدرسة إلى(17) ألف مدرسة!! لقد كان من سياسته الحكيمة الناجحة الدفع بكل قوة لتطوير التعليم وتوسيع امتداده، والنهوض بالعلمية التعليمية في وطننا الكبير. وللتاريخ أقول: إذا كان جلالة الملك/عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وموحد كيانها، فإنني أعد نجله خادم الحرمين الشريفين الملك/عبد الله بن عبد العزيز المؤسس العلمي، والتعليمي، والتنموي النهضوي لهذه الدولة، فمن حكمته وبعد نظره جعل العناية بالعلم والتعليم وتطويره محل اهتمامه الخاص، لعلمه-رحمه الله- أن الأمم والشعوب لا ترقى إلا بالعلم، ولا تنهض حضاراتها إلا بالعلم، فتبنى خطط تطوير مناهج التعليم العام، وأدواته بالمشاريع التطويرية الكبرى لمواكبة مستجدات العصر، وأولى أبناءه الطلاب الموهوبين عناية خاصة باحتضانهم في العديد من البرامج الفاعلة، منها: برامج مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وأنفق بسخاء في رعاية أبناء الوطن الموهوبين. وماذا عسى أن أقول في التعليم العالي الذي لم يشهد في تاريخه تطويراً وتوسيعاً له من قبل مثل عهده-رحمه الله-، فأمر بإنشاء العديد من الجامعات في مختلف مناطق المملكة، ويسر لأبناء مناطق المحافظات النائية مواصلة التعليم العالي بيسر وسهولة، فمن(8) جامعات إلى(27) جامعة!! وبهذا أحدث نهضةً تعليمية واسعة بالبلاد لا نظير لها مسبقاً، واستوعب قبول خرجي الثانوية من شباب الوطن في الجامعات ليواصلوا طلب العلم، ومن ثم خدمة الدين والوطن، وفي مقدمة هذه الصروح العلمية المتميزة، والتي تعد مفخرةً للوطن: (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بثول)، وماذا أقول: عن برنامجه التعليمي العلمي لأبناء الوطن للابتعاث الخارجي في التخصصات العلمية، الذي استفاد منه أكثر من(150) ألف مبتعث ومبتعثة في أكثر من(30) دولة في أرقى جامعات العالم ينهلون من العلوم ويكتسبون المعارف، ومن ثم العودة لإفادة الوطن بالعلم، والإسهام في رقيه وتقدمه، وإسهام في بنائه.

وفي الصعيد الخارجي: كانت سياسة الراحل متزنة معتدلة، فالراحل سياسيٌّ محنكٌ بامتياز.. كيف لا؟ وهو سليل ملكٍ عظيمٍ، وحَّدَ وطناً مترامي الأطراف، وأقام دولةً كبرى، في ظروفٍ صعبةٍ، وبتركيبةٍ سكانيةٍ مختلفة القبائل والعشائر، والأعراق، في ظل تناحرٍ وتنازعٍ وتفرق واقتتال!! وأسهمت سياسة الراحل في تحقيق السلم والأمن والاستقرار والرخاء، المحلي، والإقليمي، والدولي، وتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية، قبلة المسلمين، وحاضنة الحرمين الشريفين، كما سعت لفض النزاعات والخلافات بين الأشقاء، أو خلافهم سلمياً بالحوار الهادف، والتفاوض البناء، وعبر القنوات الدولية، ولعبت الدبلوماسية السعودية بقيادة الراحل-رحمه الله- دوراً محورياً رئيساً في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مستوى العالم، لتعزيز الأمن والاستقرار الدولي، فللراحل رؤيته السياسية المستقلة في مختلف قضايا منطقة الشرق الأوسط، والعالم، مخالفاً لساسة الدول الكبرى في الكثير من القضايا المتعلقة بالمنطقة كالغزو الإمريكي للعراق، وجهوده الدبلوماسية ظاهرة في تبني قضايا الأمة العربية والإسلامية والدفاع عنها، وفي مقدمتها: القضية الفلسطينية، لن ينسى الساسة والعالم جهود الراحل الكبيرة، ومواقفه الصلبة مع الإدارة الأمريكية خصوصاً في عهد جورج بوش الابن، لحل القضية الفلسطينية، ومبادرته الجريئة للكيان الصهيوني، لحل القضية الفلسطينية: الأرض مقابل السلام، والقدس عاصمة دولة فلسطين، وعودة اللاجئين لأرضهم، التي تبنتها الجامعة العربية، وأصبحت هي الحل الأمثل للقضية الفلسطينية دولياً، ومواقفه الثابتة المشرفه من العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وتسخيره للدبلوماسية السعودية للضغط على الإدارة الأمريكية في المحافل الدولية لإيقاف العدوان، ولن ينسى الناس تبرعه السخي بألف مليون دولار لإعمار غزة عام 2009م، ولن ينسى الناس إسهامات الراحل في حل قضايا خلافات العرب واحتوائها وسعيه للوئام بن مختلف الفرقاء، وجهوده في دعم الدول العربية والإسلامية لبسط الأمن والاستقرار فيها، لن ينسى العالم رباطة جأش الراحل، وسمو أخلاقه مع من أساء إليه، كتجاوزه لإساءات العقيد معمر القذاقي، في اجتماع القادة العرب في قمتهم العربية ولطافة رد الراحل عليه النابع من عقيدته وإيمانه، بل وعفوه عن سعى القذافي لتدبير اغتياله في مكة المكرمة، وعمن باشر ذلك من ضباط القذافي، ولن ينسى العالم مبادرته الموفقة عام2006م في إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، وتأييد الأسرة الدولية للمقترح، وتأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب عام2011م بدعم وشراكة المملكة العربية السعودية، وتبرعه السخي للمركز بمائة مليون دولار، وغير ذلك من أعمال فقيدنا الراحل ومواقفه السياسية الظاهرة وما خفي كان أعظم، سيكتب التاريخ بمداد من ذهب حماية الراحل للوطن في كل حدوده المترامية الأطراف من اعتداء الإرهابيين والحوثيين وتسللهم جنوباً، وشمالاً، ودفاعه عن دول الخليج العربي، والوطن العربي، كاحتلال إيران للجزر الإماراتية، والتدخل الإيراني في الدول العربية كالبحرين، واليمن، وسوريا، ولبنان، ومواقفه السياسية الثابتة الرافضة لسياسات إيران العدائية الثورية في المنطقة ومن يدعهما من الدول. إن مواقف الراحل، ورؤيته السياسة، مبنيةٌ على شعوره بالمسؤولية القومية الجسيمة تجاه الأمة العربية والإسلامية، وقائمة على نشر القيم، وتحقيق العدالة، ونصرة المظلوم، وعدم التدخل في شؤون الدول، وإرساء السلام والاستقرار والرخاء العالمي، جديرةٌ بالتأمل والدراسة، فرحم الله حكيم الأمة وفقيدها الملك عبد الله بن عبد العزيز وأسكنه الجنة.

خَيْرُ خَلَفٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ..تَبَاشِيرٌ صَادِرةٌ 

وعزاؤنا جميعاً وما خفف آلام مصاب الأمة بفقد خادم الحرمين الشريفين الملك/عبد الله بن عبد العزيز-رحمه الله-: تولي خادم الحرمين الشريفين الملك المحبوب/سلمان الخير.. سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، ومبايعته ملكاً للبلاد، وجلالته لا يقل مكانةً، ولا قيادةً، وحنكةً، ودهاءً من أخيه الراحل، ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير/مقرن بن عبد العزيز، ولياً للعهد، وصاحب السمو الملكي الأمير/محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً لولي العهد.. وشعب المملكة يقول للملك سلمان: سِرْ أبا فهد سلمان الخير.. سلمان البشر.. والعطاء..-حفظك الله ورعاك- وكلنا خلفك، نذود عن الدين وهذا الوطن الكبير، وهنيئاً لك بعضديك الأمينين: مقرن الخير، ومحمد الوفيِّ.. وهاهي تباشير الخير أقدمت من سلمان الخير.. بإصدار(30) أمراً ملكياً مساء يوم الخمس الموافق9/4/1436هـ تتعلق بتعيينات عديدة للكفاءات الوطنية، وتطوير لعدد من الوزارات والهيئات والمؤسسات في الدولة، تهدف للنهوض بالتنمية بالبلاد، وتسهم في رفاهية المواطن السعودي… فلتستبشر الأمة بالخير: فَأَوَّلُ الغَيْثِ قَطْرٌ ثُمَّ يَنْهَمِرٌ…

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان والاستقرار والرخاء يا ربنا، ووفق ولاة أمورنا وسددهم لما تحبه وترضاه. والله المستعان.

د. سامي أحمد الخياط

جامعة شقراء

[CENTER][IMG]https://www.makkahnews.sa/contents/myuppic/054cbcc5659488.jpg[/IMG][/CENTER]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com