المقالات

الأتراك وقرن الشيطان ( ٢-٣ )

منذ تسعينيات القرن الماضي، ونحن نحذر من تنظيم الإخوان المسلمين ولم يلتفت إلينا أحد، ومنذ العام 2006 ونحن نحذر تلميحًا لا تصريحًا من خطورة قطر أو “قرن الشيطان”. لم نكن نستطيع التصريح باسم تلك الدويلة؛ لأن قوانين وأنظمة المملكة شديدة الوضوح وهي تمنع أي حديث يمكن اعتباره إساءة إلى دولة شقيقة، كما أن تلك الدويلة كانت تلاحق من يحذر منها أو ينتقد أحد مسؤوليها أو أحد العاملين معها بالدعاوى القضائية التي تكسبها عادة. وكنت أحد أولئك الذين لاحقتهم أذرعتها؛ لأنني تابعت بدقة شديدة وكشفت عهر بعض أذنابها في السعودية ممن تم ايقافهم من قبل الأمن أو تمكن من الفرار إلى الخارج كـ “المفك” مثلًا، وهو صاحب الدعوى. حينئذ كان أمامي خياران لا ثالث لهما: إما مواصلة السير في القضية رغم علمي اليقين بأنني سأخسرها تمامًا لأنه لم يُكْشَف بعد، أو الرضوخ لما طلبوه مني. كنت أخشى على والدي ووالدتي، وكنت أخشى على بناتي الصغيرات؛ ولذلك رضخت بل وحذفت كل تعليقاتي ضد “المفك” وتوقفت عن الكتابة عن التنظيم بعد أن شعرت أنني “كمن يغمز في الغُدْرة” – (الغُدْرة هي الظلام). بل وصدر قرار بإيقافي عن المشاركة في التويتر بخطاب رسمي من مرجعي حينها لتأكيد المؤكد لأسباب لم أفهمها ولم أحاول فهمها.

توقفت بالفعل عن الكتابة في النت بشكل عام لكنني لم أتوقف عن متابعة رجال قطر وأقلامها. لتلك الأسباب وأمثالها كانت رسالتنا غامضة وغير مفهومة الهدف، ولم تحقق أهدافها حتى تحرك الرباعي العربي وقاطعوا قرن الشيطان. عندها فقط استطاع الجميع أن يتحدث صراحة، وأن يكشف أوراق التوت عن ذلك الكيان الذي ابتلينا به.

لا زلت أقول إن الوعي هو أهم وسيلة لكشف أوراق التنظيم وأهداف قرن الشيطان ومنع تحقيقها، ولكن المشكلة تكمن في الفترة الزمنية الطويلة التي قضاها التنظيم في المملكة قبل أن تتضح أهدافه بجلاء.

ولأكون أكثر وضوحًا فقد بدأت أولى أوراقه بالظهور عقب ثورة الخميني وإسقاط شاه إيران. تلك كانت البداية تبعها الغزو العراقي للكويت وموقفهم منه ورأيهم في عملية تحرير الكويت. عقب ذلك جاء اغتيال الشيخ أحمد ياسين وتبعه مباشرة د. عبدالعزيز الرنتيسي، وكلاهما بوشاية رخيصة من رئيس حماس الحالي. ثم انفصال غزة تحت سيطرة حماس وارتمائها في الحضن الإيراني والقطري. كانت هذه الأحداث بداية كشف أوراق التنظيم أمام مسؤولي الدولة ورجال أمنها الذين تمكنوا لاحقًا من استئصال شأفة قادتها المعروفين فقط.

المشكلة مع هذا التنظيم أنه يتبع أسلوبًا معقدًا في هيكله لم يكن يضاهيه إلا حكم صدام حسين للعراق ثم النظام الإيراني في مرحلة لاحقة. أسلوبه باختصار هو “الخلايا العنقودية”، وهو من أخطر الأساليب على الإطلاق والذي لا يمكن لأي جهاز أمن في العالم أن يكتشف كامل أعضاء الخلية.

عادة تكون القيادات معروفة، ولكن ما تحت تلك القيادات مجموعات لا تعرف بعضها البعض ولا يعرف قادتها القادة الآخرين ولكنهم جميعًا يتلقون توجيهاتهم من رئيس واحد فقط، وكل رئيس لديه عدد من المجموعات. ولهذا السبب يتم اختراق جميع المؤسسات الحكومية في الدولة المستهدفة، ويتم بناء دولة داخل الدولة يكون عملها توزيع المناصب القيادية لبعضهم البعض في مفاصل الحكومة الحساسة، والعمل في نفس الوقت على عدم مخالفة الأنظمة والقوانين قدر الإمكان إلا فيما يصب في مصلحة المجموعة. الذي يميز التنظيم قدرته الهائلة على التلون وفق الظروف فيمكنه السكون لفترة طويلة وإذا وجد فرصة للتحرك حاول تعويض كل ما لم يتمكن من فعله. المشكلة الثانية التي تجعل من التعرف على أعضائه معضلة حقيقية هي وقوع الكثيرين تحت تأثير قوتهم الناعمة، ومن ثَمَّ اعتناق منهجهم واتباعه دون تفكير بل وأحيانًا بقناعة متناهية قد تصل به إلى إنكار وجود التنظيم بكامله.

هؤلاء مفيدون للتنظيم ولا شك؛ إن اقتربوا منهم قاموا بعملهم دون توجيه، وإن ابتعدوا عنهم كانوا مصدر أمان لهم لاختلاط الحابل بالنابل. وفي الحالتين سيقومون بنفس الدور. ولأن التنظيم لا يوجد فيه عضوية إلا لقادته فلا يستطيع أي جهاز أمني أن يكتشف كامل أعضاءه، بل إن هؤلاء الواقعين تحت تأثيرهم دون شعورهم يزيدون الأمر تعقيدًا، فهم صادقون حينما يقولون بأنهم ليسوا أعضاء في التنظيم، ولكنهم للأسف يتصرفون تمامًا كالأعضاء بل أشد منهم أحيانًا لعدم خوفهم من أي شيء ولقناعتهم بأنهم غير منضمين لأي تنظيم.

لهذه الأسباب يصعب اصطيادهم بسهولة ولهذه الأسباب أيضًا يخترقون جميع الأجهزة الحكومية، ولكنهم يستهدفون قطاعين مهمين جدًّا؛ لتكوين بل لتحوير المجتمع ليصبح إخواني الهوى والتوجه، وهما التعليم والإعلام.
الدعم الذي يلقاه التنظيم من قرن الشيطان وتبرعات الشعوب لأعمال الخير التي تتحول إلى حساباتهم، واتباع البعض لمنهجهم إراديًّا أو لا إراديًّا وقناعات البعض بوجوب الخلافة وأن تكون في العرب أو غير العرب دون علم بأنها لا تكون إلا في قريش؛ هي السبب الرئيس لاستمرار قادتهم وبقائهم في الواجهة؛ إضافة إلى المساحة الآمنة التي يعيشون فيها سواء في دويلة قرن الشيطان أو في بريطانيا وكندا وتركيا. وليت أن إعلامنا يتولى توضيح هذه الحقائق عن الخلافة ومفهومها.

تركيا من جانبها ممثلة في رئيسها تلعب على وتر إعادة الخلافة ولو أن الأتباع يعلمون أين يجب أن تكون الخلافة لما انساقوا خلف تلك الدعاية، هي دعاية كاذبة ولا شك وهي مجرد غطاء استعماري لتركيا جديدة ليس أكثر، تركيا تأخذ بمنهج الدولة العثمانية البغيض للاستيلاء على ثروات الوطن العربي. ولكن أنى لهم أن يعلموا وقوة الإخوان الناعمة تدغدغ مشاعرهم بهذا الحلم.

أردوغان يقوم بربط الدين بكل شيء فعلى سبيل المثال تحويل كنيسة أيا صوفيا إلى مسجد، وهو أمر مخالف للشرع تمامًا، ولم يسبق إليه أحد من المسلمين إلا المسمى محمد الفاتح. ويأتي الإخوان وقرن الشيطان بقوتهم الناعمة لتحليل المحرم وتحسين السيئ، والتلاعب بعواطف المسلمين حتى أنهم يتغافلون عن الرموز المسيحية في الكنيسة وعن زيارات السواح المستمرة حتى اللحظة.

وكذلك توجيه مجموعة من الأتراك إلى الأقصى وهم في ثياب الإحرام لأداء ما وصفه رئيسهم بالحج إلى بيت المقدس، وهذه لم نسمع بها في التاريخ إلا عند المسيحيين واليهود. كذلك الحال في حرب القوقاز فهو يزعم أنها لنصرة دولة إسلامية بينما الواقع غير ذلك تمامًا، بل هي اقتصادية بحتة لما تملكه أذربيجان من غاز يريد السيطرة عليه. وأيضًا يقوم إعلام قرن الشيطان والإخوان بتأكيد إسلامية المعركة، ويقومون بنشر فيديوهات للأذان في الإقليم وكأنهم أعادوه بعد غياب أو أن الإقليم ليس فيه مسلمون.

إعلام الإخوان وقرن الشيطان تجاهل مثلًا الإساءات المستمرة ضد النبي محمد عليه الصلاة والسلام التي تصدر من وزير داخلية النظام التركي مثل اتهام المصطفى بالغرور، والرسوم الكاريكاتورية الكثيرة التي تسخر منه عليه الصلاة والسلام واللقاءات المتلفزة التي تصل إلى تفضيل أردوغان على الرسول عليه الصلاة والسلام وغيرها كثير. بينما نجد ذات الإعلام أقام الدنيا ولم يقعدها لإساءة ماكرون المبنية على جريمة تقشعر منها الأبدان نفذها مسلم لاجئ في فرنسا، وسبب ردة الفعل تلك هي الخلاف حول المصالح بين ماكرون وأردوغان لا غير. قد يتساءل البعض عن دور إعلامنا وتقصيره في إظهار هذه الإساءات التركية وله حق التساؤل والإجابة ببساطة أن الإعلام الرسمي لا يتناول مثل هذه الأخبار إلا إذا كانت العلاقات مقطوعة والحرب الإعلامية قائمة مع الطرف الآخر، أما الإعلام الخاص والمساند فقد تناولها وتحدث عنها وكشفها ولا ينتبه له إلا من يتابعه من المهتمين، ثم أن الصوت المرتفع لإعلام قرن الشيطان والمتأثرين به أشد ارتفاعاً عن غيره. هذه مجرد أمثلة لعشرات الأعمال التي يربط الدين بها ويدغدغ بها مشاعر البسطاء والعامة من الشعوب المسلمة وخاصة العربية منها والتي تردد خلفه ما يقول وما يعلن وبعضهم بحسن نية ولا شك في ذلك. وفي كل الأحوال فإن جميع ما يربطه بالدين يزعم قرن الشيطان والإخوان وإعلامه بأنه لتحقيق حلم الخلافة على أرض الواقع.

نحن لسنا في حاجة إلى أكثر من التفكر بهدوء، والعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله ليتبين لنا حجم الخطأ الديني الذي يرتكبه التنظيم وداعميه. ولعل في الفتوى التي صدرت من رئيس ما يسمى باتحاد علماء المسلمين، الذي أنشأه قرن الشيطان، خير دليل على الخلط والتخبط الديني فلم نعرف على مدار التاريخ الديني أن مقاطعة أحد الشعوب لمنتجات شعب آخر يصل إلى الردة عن دين الله، وأن عدم المقاطعة يصل أجره إلى أجر العمرة. إن لم يكن هذا من فتاوى شياطين الأنس فماذا يمكن أن نسميه؟ وإن لم يكن هذا هو تسييس للدين فماذا نسميه؟ الحق أن قرن الشيطان وتركيا هما أكثر من يتلاعب بالدين ويستغله لمصالحه وأهدافه الخبيثة وما القاعدة وداعش عنا ببعيد.
——————-
@juman_ghamdi

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى