
قال صاحبي: هذا يوم للفرح، وسأترك لك المجال للحديث عما تحب وتعشق؛ الوطن والإعلام.
للوطن مكانة عظيمة في النفوس، والحديث عن الوطن سيمفونية لن تنتهي لذة الاستماع إليها، والعزف على أوتارها، فالنفوس السوية جبلت على حب أوطانها، والتغني بها، وتمجيدها، والعمل من أجل أمنها ورقيها واستقرارها، فوطننا المملكة العربية السعودية يتميز عما سواه – وكل الأوطان مقدرة- بأن حبه ليس فطرة فقط، بل دين أيضًا، فهي قبلة الإسلام والسلام.
وأما الإعلام السعودي فالحديث عنه يطربني أيضًا بحكم تخصصي فيه، فملحمة التأسيس التي قادها الملك المؤسس عبد العزيز-رحمه الله- لم تنتهِ عند إعلان توحيد البلاد، بل توجه فورًا إلى ملحمة جديدة تمثلت في التوطين والتعليم، والإعلام، وتأسيس البناء الإداري، واختيار الرجال ذوو الكفاءات وتكليفهم بمهام التنفيذ، حتى أضحت المملكة العربية السعودية اليوم في مصاف الدول الكبرى، وأحد العشرين الكبار، رسام السياسة الاقتصادية العالمية.
وبسبب عدم انتشار التعليم بشكل رئيس، في أغلب أرجاء الجزيرة العربية، إضافة لعدم توفر مستلزمات الصحافة من كهرباء، وورق وأحبار، ووسائل اتصال بالعالم الخارجي، باستثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، التي عرفت الصحافة المطبوعة مبكرًا قبل بقية مدن المملكة العربية السعودية، وبحكم الارتباط الوثيق بين الاتصال السياسي والإعلام، الذي هو في أبسط صورة اتصال بين الحاكم والمحكوم، فقد سعى الملك عبدالعزيز لنشر التعليم في جميع أرجاء البلاد، ثم تأسيس الصحيفة السعودية الرسمية الأولى التي بها يؤرخ لنشأة الإعلام السعودي، وهي صحيفة أم القرى التي أصدرت عددها الأول في العهد السعودي في 15-5-1343هـ.
لذا حرص الملك المؤسس -رحمه الله- على إنشاء الوسائل الإعلامية، وتهيئة البنية التحية اللازمة لقيامها، وكانت البداية في الصحافة المطبوعة، التي اهتمت بنشر الأخبار الرسمية، والمراسيم الملكية، بالإضافة لتعبير افتتاحيتها عن سياسة المملكة تجاه مختلف الأحداث، ولم تعر الأخبار الدولية الاهتمام اللازم، لضعف وسائل الاتصال، ولعدم تبلور فكرة العمل الصحفي المهني بعد، مما يمكنها من الاشتراك في وكالات الأنباء العالمية، أو تكليف مراسلين لها في عواصم صناعة القرار آنذاك.
ولأن الملك عبد العزيز -رحمه الله- شخصية سياسية متميزة وفريدة، وقبل أن تعرف بلاده الراديو، لأسباب فنية واجتماعية، كان لديه في الديوان الملكي إدارة خاصة للاستماع للأخبار التي ترد عبر المذياع، ويتم تدوينها وعرضها عليه، ثم يبدأ بمناقشتها وتحليها مع مستشاريه، خصوصًا أن تلك الفترة شهدت قيام الحرب العالمية الثانية، وما تبعها من تحولات جيوسياسية واستراتيجية مهمة، استطاع المؤسس استشراف المستقبل، والاستعداد لها، وحماية بلاده وشعبه من تأثيراتها المباشرة.
ولأن الملك المؤسس ماضٍ في تحديث دولته، فقد أمر بتأسيس الإذاعة السعودية، وقبيل انطلاق صوتها الأول وببعد نظره رسم سياتها التحريرية التي أصبحت نواة للسياسية الإعلامية والتي جاء في مرسوم إنشائها ما يلي:
1- نشر الأخبار كما هي، ويلاحظ عدم شتم أحد، أو التعريض بأحد، أو المديح الذي لا محل له، وبلغة اليوم تعني الحياد والموضوعية والمصداقية، وهذه الثلاث هي من مقتضيات المهنية الإعلامية.
2- يلاحظ في أخبارنا الداخلية الواقع، ويلاحظ عاداتنا فيما السكوت عما اعتدنا السكوت عليه، ونشر ما اعتدنا نشره، وبلغة اليوم هذا يعني الخط التحريري الذي يجب أن تلتزمه الإذاعة.
3- ينظر فيما يمكن إذاعته من القرآن الكريم، والمواعظ الدينية، والمحاضرات التاريخية، عن الإسلام والعرب، يكون معلومًا والسلام. وهذا بلغة اليوم يعني الخارطة البرامجية للإذاعة، وتوجيهها لأن تصبح أداة توعية وتثقيف.
ليس هذا فحسب، بل كان المؤسس -رحمه الله- منفتحًا على وسائل الإعلام، وهذا يتضح من مسارين، أحدهما توجيه مندوبيه في الخارج بتزويد الصحف والإذاعات الدولية بما يحدث في المملكة من تطورات، والآخر إتاحته الفرصة لبعض وسائل الإعلام لإجراء مقابلات معه، ومنها صحيفة الدستور العراقية، ومجلة لايف الأمريكية، والديلي ميل البريطانية، والمقطم والأهرام المصرية، وظهوره في فيلم بلادنا المقدسة، وهو الفيلم الوحيد الذي ظهر فيه خطاب للملك عبد العزيز بالصوت والصورة.
هذا اختصار لمسيرة الإعلام السعودي في عهد الملك عبد العزيز، والذي يعكس اهتمامه وحرصه على توطين وسائله، ومن ثم استخدامها للتواصل مع شعبه، ومع دول العالم، بالإضافة لتسخير هذه الوسائل الإعلامية للتواصل المباشر مع الناس؛ إذ صارت هذه الوسائل جزءًا من سياسة الباب المفتوح، حيث كانت رسائل وطلبات المواطنين تنقل عبر هذه الوسائل، وتحظى باهتمام خاص، وبلغة العصر كانت هذه الوسائل تحافظ على حقوق الإنسان وتكفل لهم حرية التعبير والتظلم حتى لو كانت على الملك عبد العزيز أو أحد أفراد أسرة، كما نص على ذلك أكثر من مرة في خطاباته الموجهة للمواطنين.
قلت لصاحبي:
الدول العظيمة بحاجة لإعلام عظيم.. فكم عز أقوام بعز إعلامهم.