عام

عنترة بن شداد

ولد عنترة في نجد في بلدة “القصيباء”، الواقعة على مسافة (65) كيلومترًا شمال بريدة، بمنطقة عيون الجواء في القصيم، سنة (٥٢٥) ميلادي، ويعود نسبه إلى عمرو بن شداد بن معاوية العبسي والده من أشراف بني عبس وأمه حبشية، وقد استطاع أن يتحرر بشجاعته وفروسيته.

‏يقول النقاد: إن هناك باعثين جعلا عنترة بهذه المنزلة الشعرية: العبودية والحب، كان يريد أن يتحرر من العبودية، وكان يريد أن يبين لعبلة عظيم حبه لها؛ فجاء شعره مترجمًا عن شخصيته، ناطقًا عن سيرته ولهذا خلده التاريخ، وله ميمية شهيرة مطلعها:

‏هل غادر الشعراء من متردم
‏أم هل عرفت الدار بعد توهم

‏شعر عنترة قسمان، الأول: غنائي وجداني، والقسم الآخر قصصي ملحمي، أما معلقة عنترة فهو رجل الكمال البدوي الأصيل.

‏ أدبه: شاعر الاعتراف الصادق، والصراع النفسي العنيف، ومفاخره مزيج من فن غنائي وفن ملحمي، وهو سهل المخالقة لا يقبل الظلم، ورجل شجاعة يغشى الوغى ويعف عند المغنم، قال:

‏يخبرك من شهد الوقيعة أنني
‏أغشى الوغى وأعف عند المغنم

‏فأرى المغانم لو أشاء حويتها
‏فيصدني عنها الحيا وتكرمي

‏أما عنترة اعتزل الحرب لخلاف نشب بينه وبين قبيلته؛ مرده أن عنترة ابن أمة لا يحق له الانتساب إلى قبيلته، ولا يحق له الاقتران بابنة عمه، ولا يحق له أن يكون حرًا، ولما اشتد الأمر على عبس، وكاد يدركهم التلف استغاثوا بعنترة فيقدم عنترة حرًا ويبدد جيوش الأعداء، وينشر الذعر في البلاد على جواد يكاد يتكلم، وبسيف يجز الرؤوس، ورمح يخترق الصدور، ويطير القلوب فيقول له والده: كُر، فيجيب عنترة: لا أجيد إلا الصرّ والدر، حتى اقتنع والده بشجاعته وحرره بقوله: كُرّ فأنت حُر، فشارك في معركة عبس وذبيان التي سببها حرب داحس والغبراء، والحروب عادة تفرز شعراء وفوارس ورجال أبطال، فظهرت شجاعة عنترة في حرب داحس والغبراء، يقال: بأنه شارك في يوم ذي قار الذي انتصرت العرب على الفرس، وللأسف بعد انتصار القبيلة ومشاركة عنترة ودفاعه لقبيلته، تقتسم القبيلة الغنائم أما عنترة بن شداد يُمنع من الغنيمة، ويحتجون بأنه ابن أمة، قال:

‏خدمت أناسًا واتخذت أقاربًا
‏لعوني ولكن أصبحوا كالعقاربِ

‏ينادونني في السلم يا ابن زبيبة
‏وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب

‏عنترة رجل المروءة وحفظ المحرمات، قال:

‏وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي
‏حتى يواري جارتي مأواها

‏إني امرؤٌ سمح الخليقة ماجدٌ
‏لا أتبع النفس اللجوج هواها

‏وهو صادق العاطفة في حبه العفيف لفتاة كريمة يعمل جهده في إرضائها، رقيق في شعره ونبيل، وأروع التشبيهات في معلقته ما جاء في قوله:

‏ولقد ذكرتك والرماح نواهل
‏مني وبيض الهند تقطر من دمي

‏فوددت تقبيل السيوف لأنها
‏لمعت كبارق ثغرك المتبسمُ

‏فهي على قلبه ولسانه، وابتسامتها مشرقة في التماعة السيف وتوهج السنان، ويوجه الكلام إليها؛ وكأنه لا يطلب إلا رضاها وإن غضب جميع الناس؛ فهي شقيقة روحه وأمله في الحياة، ويريد أن يقول لها في تلك الساعة التي يغفل الناس في الحرب عن أنفسهم أنتِ في ذاكرتي، وطيفك لا يفارقني، قال بعض النقاد: لم تقل العرب في الغزل أعظم من هذين البيتين، ثم يطالبها بأن تسأل ميادين الفروسية ومقام الرجولة، وعبر بالمجاز بقوله:

‏هلا سألتِ الخيل يا ابنة مالك
‏إن كنتِ جاهلة بما لم تعلمِ

‏ثم يجيب:
‏يخبرك من شهد الوقيعة أنني
‏أغشى الوغى وأعف عند المغنمِ

‏يقول: لما انتصرنا فأنا لا أزاحم الناس على الغنائم فيخبرها بأني لا أقاتل من أجل الغنائم ولكن أقاتل لأثبت إقدامي، فعند الحرب أقدم على الحرب أغشى الوغى، وعند الغنائم فأنا عفيف وهذا من أعظم ما يمتدح به الرجال؛ لأنه قليل في الناس.

‏تأمل هذا التصوير الذي أقلق عنترة:

‏ما راعني إلا حمولة أهلها
‏وسط الديار تسف حب الخِمخِمِ

‏فيها اثنتان وأربعون حلُوبـةً
‏سُودًا كخافية الغراب الأسحـمِ

‏يقول: لما شاهدت الإبل السُود وهي أعز الألوان عند العرب وأنفسها، أشار بأن الإبل تسف بمعنى: تأكل نبات الخِمخِم فعرف عنترة بأن الربيع أوشك على النهاية؛ لأن الربيع يبس وحب الخمخم حب يابس من البقل، هذا المشهد الذي أرعب عنترة بقوله:

‏ماراعني بمعنى: ما أفزعني إلا عندما شاهدت الإبل ترعى حب الخمخم؛ لأن عمي وابنة عمي سوف يرحلان بالبحث عن مكان آخر يكثر فيه الربيع والنبات، ثم أراد أن يبين أنها من قوم ذوي غنى وجاه بقوله:

‏فيها اثنتان وأربعون حلوبة
‏سودًا كخافية الغراب الأسحم

‏أراد عنترة أن ينتصر للونه وهذا وارد، وأراد أن يقول: النوق السُود أعز ما تملكه العرب آنذاك، وهي أعز وأنفس ألوان العرب؛ فهي ابنة رجال لهم مكانة وتاريخ عظيم.

‏لاحظ شخصية عنترة في معلقته:

‏ومدججٍ كره الكماة نزاله
‏لا ممعن هربًا ولا مستسلم

‏لما رآني قد أردت نزاله
‏أبدى نواجذه بغير تبسم

‏فشككت بالرمح الأصم ثيابه
‏ليس الكريم على القنا بمحرم

‏عنترة بن شداد لا يحتقر الخصم، بل يمجده ويظهر تفوقه عليه؛ فيهاجم عدوه بغير احتقار فيرفع من شأنه، ونعته بالهيبة والجود والبطولة، وهذا عربي نبيل أصيل، فالكريم لا ينكر الكريم، والشجاع لا ينكر بطولة الشجعان، نعم عنترة يعلي شأن خصمه لتضخيم نصره عليه، ولكن هذه المزية لا توجد إلا في كبار النفوس.

‏وأختم المقال بأن عنترة بن شداد يتصف بالشموخ والعزة، قال:

‏واختر لنفسك منزلًا تعلو به
‏أو مت كريمًا تحت ظل القسطل

‏فالموت لا ينجيك من آفاته
‏حصن ولو شيدته بالجندل

‏موت الفتى في عزة خير له
‏من أن يبيت أسير طرف أكحل

د.وليد طراد الشمري.
فلسفة المناهج وأساليب تدريس اللغة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com