إن الارتحال في طلب العلم هو مزيد كمال في التعلم، هكذا قال أحد برز علماء القرون الوسطى، عالم علم الاجتماع وواضع أصول فلسفة التاريخ التونسي “عبد الرحمن ابن خلدون”، في مقدمته الشهيرة.
من أجمل الأماكن التي قمت بزيارتها خارج المملكة ولا تزال في الذاكرة، هي تلك الأماكن التي تكون على علاقة بالتعليم، والتعلم، والمعرفة، وأغلب هذه الأماكن جامعات ومؤسسات تعليمية عظيمة، مثل جامعة بوسطن فلوريدا التي تخرج فيها حاملاً درجة الدكتوراه “مارتن لوثر كينج الابن”، الناشط السياسي من أوائل المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السود الأمريكيين، والحاصل على نوبل للسلام عام 1968م، وكذلك مقدم البرامج الأمريكي الشهير “هوارد ستيرن”، وكذلك جامعة هارفرد في ولاية ماساتشوستس التي تخرج فيها ثمانية من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد (188) مليارديراً، بالإضافة إلى العديد من الفائزين بجوائز نوبل، وفيلدز في الرياضيات، وتورينج في التقنية.
قمت بزيارة جامعة “تافتس” الأمريكية الشهيرة التي تأسست عام 1852م، في مدينة بوسطن، تخرج فيها البروفيسور “دوم رودريك ماكينون” الحائز على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء، وكذلك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في ولاية ماساتشوستس والذي يُعد من أفضل المؤسسات العلمية في أمريكا، تخرج فيه العديد من الشخصيات العريقة، أبرزهم رائد الفضاء “إدوين أدرين”، “إيلون ماسك” مؤسس شركتي “تسلا” و”سبيس إكس”، وسلمان خان مؤسس “أكاديمية خان”، وزرت جامعة كامبريدج البريطانية من خريجيها الأمير تشارلز ملك بريطانيا الحالي، والفيزيائي الشهير “روبرت أوبنهايمر” أبو القنبلة النووية الذي احترق بنارها، والكاتبة ومقدمة البرامج الإذاعية “أريانا هافينغتون”، وجامعة أكسفورد ومن أشهر من تخرج فيها “روبرت مردوخ” قطب الإعلام الأمريكي الأسترالي المولد، وجامعة مانشستر في المملكة المتحدة ومن أشهر من تخرج فيها السير “جون تشارنلي” رائد جراحة العظام، وبروفيسور “جون دالتون” مؤسس النظرية الذرية الحديثة.
زرت الكثير من المؤسسات العلمية حول العالم، ويرجع ذلك أساساً إلى بيئتها التعليمية المتميزة وأبحاثها المنتجة، ومكتباتها العريقة، تخرج فيها علماء كبار حازوا على نوبل العالمية وغيرها من الجوائز، وطلاب دراسات عليا، ومقاهٍ تعكس شخصياتهم العلمية.
لا يزال في الذاكرة عندما التقيت في إحدى زياراتي لأمريكا بأحد الأشخاص، كان بلا مأوى (Homeless)، في ميدان كيندال القريب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان يقرأ كتاباً، سألته عرضاً عن نوع الكتاب، فأجابني بسعادة كبيرة، إنه كتاب بقلم “كرستن تشين” بعنوان: “ادفنوا ما لا يمكننا أخذه”.!
من كل ذلك، وجدت أنه يمكن للواحد منا تعلم نظريات أعمق وعن مواقف أشمل عند مقابلة أشخاص آخرين من ثقافات مختلفة، وعلماء كبار من حائزي جائزة نوبل وغيرها من الجوائز العالمية، وكذلك من الأكاديميين الطموحين، في الندوات، وورش العمل، والمؤتمرات، أو حتى في الأسواق والمقاهي والمطاعم والفنادق. تحدثت مع العديد من الطلاب المهوسين بالقراءة، تناقشت معهم عن مشاريعهم، وأفكارهم وابتكاراتهم التي لم تكتمل بعد، أو حتى عن شغف القراءة مع المتسولين في الشوارع.