المقالات

ويرحل الرجل وتبقى مآثره خالدة ..

“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”
فُجعت منطقة الباحة وقبيلة غامد عامة وقبائل بالجرشي خاصة وأهالي قرية بني عبيد على وجه الخصوص بفقد رمز من رموزها البارزين ورجل من رجالها المخلصين الذي وافاه القدر في يوم الثلاثاء 29-09-1445 هـ الموافق 09-04-2024 م.
والذي يُعد رجل قبيلة من الطراز الرفيع ورائد من رواد التربية الذين خلدوا أسماءهم في سجل التعليم، وقيادي يتقن فن الإدارة بمداخلة النفوس واستمالتها … واستثارة العزائم.. وتوظيف الهمم لتحقيق الأهداف النبيلة.
إنه الأستاذ عبد الله بن عبد الخالق الحميليس “يرحمه الله”.
وفي غمرة الخواطر المتواردة والمشاعر المختلطة ولعلاقتي به وجدتني حائراً ماذا عساي أن أكتب عن أخٍ كريم، وزميل مخلص، وجدت فيه ومنه تباشير المؤازرة والعون منذ اللحظة الأولى في عملي في أدارة التعليم بالباحة عندما انتقلت إليها من الطائف للعمل كمساعد لمدير عام التعليم. فقد كانت مواقفه بناءه وإيجابية والتسهيلات التي تلقيتها منه تبعث على الرضا.
فإذا كانت الكلمة مسؤولية والشهادة أمانة.. فإني لا أتردد في القول بأن هذا الرجل وعى المسؤولية فأخلص لها، وأدرك الواجب فتفانى من أجلة…
عرفته بالمعايشة وخبرته بالتجربة يعمل بكفاءة الرجال، ويفكر بفاعلية يتعامل بإنسانية، أدى دوره برضى تام، وإخلاص مشهود كسب مشاعر من يعملون معه ويعمل معهم وهذه محصلة ممتازة ومطمح عال المنال. عنده مبعث الرضا وعند من عرفه وعمل معه مصدر الفخر والاعتزاز بالمخلصين أمثاله (يرحمه الله).

وجد في بالجرشي من فرص الحياة ما يغنيه عن الهجرة منها، يمتلك الإرادة والعزم على مسايرة الظروف وتحمل المصاعب منذ بداية حياته، أختبر الشدائد واختبرته وكان نصيبه النجاح.
له عصامية زادته شرفًا على شرفه، صاحب قلب شجاع، وجبهةٌ عالية، مثّل في حقيقته علامة بارزة في محيط المجتمع الذي عاش فيه، كل من عرفه أحبه وكل من تابع منجزاته قدره، قدوة تعليمية مؤثرة خلال مسيرته في سلك التعليم وله من السمات الإنسانية ما جذب الأخرين إلى محبته.. طيب المعشر، جميل الخلق، كريم العطا، حسن التعامل، بينه وبين الحقد والضغينة عداوة.
أسُندت له عدة مناصب في التعليم وكان خلالها من النماذج والرموز التربوية المتميزة التي أخلصت في تربية جيل هذا الأمة الإسلامية ولم تنعزل عن منهج التربية الإسلامية الخصب، يؤمن بالعمل المشترك في صف واحد لبلوغ الأهداف المشتركة التي تستهدف بناء الانسان ويتفاعل مع العمل التربوي تفاعلا منظمًا يهدف الى تحقيق القناعات عند العاملين معه، يحدث لديهم تغيرات إيجابية في سلوك الأداء تنظم المهارات، والمعارف، والاتجاهات، والقيم. ويذكي عنصر التميز عند الجميع حتى يحصد الطلاب ثمار هذا الجهود الهادفة.
وخاطرتي أنني وإخواني منسوبي التعليم بالباحة سعدنا معه بمذاق النجاح، وزهو التفوق بمشاركتنا له رسالة الحياة، نطوع من خلالها منظومة المعرفة من مناهجها الصافية العذبة لبناء عقول تواقة إلى نور اليقين وإرادات شابة نظرة تتحفز بهمة واتزان لهفًا للعليا وسواعد فتية تواقة لصناعة الفعل الإيجابي لبناء وطن مكانه سويداء الأفئدة في ظل قيادة رشيدة تود أن تجعل من تطلعات أنسان هذا الوطن واقعًا معاشًا وإنجازًا ملموسًا.
عُرفت مكانته وإمكاناته” فأختاره المسؤولون رئيسًا لبلدية بالجرشي وكان في ذلك تكليف فيه من التشريف ما يجدر بمثله، وأحسن وتفنن وبرز وأنجز وكان العقل المدبر والهمة التي لا تفتر.
أفلحَ ووقف وكان الله معه في صناعة نموذج تنموي على أرض بالجرشي كانت منه تجربة ملحمية متخمة بالتحدي ومغالبة الصعاب وكان أمامها ملهمًا وقويًا بما يكفي لتجاوز عناد الطبيعة وتذليل عُسر المكان. كلنا يعرف كيف كان مدخل مدينة بالجرشي صخور صلبة على يمين الطريق وعلى يساره وهضاب قاسية. أستطاع بعد توفيق الله أن يجعل عسيرها سهلاً، وصنع من قرى بالجرشي مُدناً زاهية مزدهرة تأبى أن يسبقها غيرها في رصانة التخطيط العمراني. وقفز بقراها في سلم الحضارة لتصبح مُدنًا مكتملة المرافق ليجد فيها إنسانها من فرص الحياة ما يغنيه عن الهجرة منها.
لم يكن الرجل بمتكلف ولا يتعاطى مسوح أبهة السلطة وبهرجة المنصب … كان خلال عمله في كل المواقع الوظيفية طبيعي كنسائم زكية يفوح شذاها من رياض بالجرشي وقراها الوديعة الهادئة التي تربى فيها على البساطة والقيم العربية الإسلامية الأصيلة، لا يكترث بالصفات والألقاب ولا يأبه بالمواقف الاحتفالية شأن من صحة نيته، وطاب منبته، وصف مورده، واستقامت سيرته. صنع تلك البدايات وسيرها أحسن وجهه ونجح.
الأستاذ عبد الله عبد الخالق الحميليس “رحمه الله” كان مع كل تلك المعطيات يكتنز خصائص العربي القُح من نقاء في الفطرة، وحدة في الفكر، ونفاذ في البصيرة، وثقة في النفس، تعرفه فلا يتجاوزه الأعجاب وتتعامل معه فتجده بسيطًا وديعًا هادئًا يحسن الإنصات كما يحسن الحديث في خطاب مهذب وأسلوب متأدب يجده أصحاب الحاجات قريبًا منهم فلا يجهدهم يقدم شخصية المسؤول في نموذجها الرفيع شأن القائد المسؤول. فالسلطة عنده ليست بريقًا وهاجًا من الزهو والخيلاء وتضخيم الذات، وإنما هي مسؤولية غرضها خدمة الناس وإشباع حاجاتهم ووجهتها الصالح العام. فوق أنه متصالح مع نفسه بدرجة عالية يأسرك فيه شخصيته الفذة وتفلت عزيمته ومواقفه الأخاذة، وصفاته المحمودة، وهي صفات رجولية ليست مباحة لكل من اراد الاتصاف بها لكنها استعداد وتهيؤ ينتزعها الإنسان من الحياة. ويكتسبها من المواقف تحتاج إلى قلب يمتلك الشجاعة، وضمير حي، وعقل متوهج متقد، فهي مطمح عال المنال لكنها ليست مباحة لمن لا يتقن صنعتها ولا يجيد فنها. فهم دوره في هذه الحياة.. “عبادة الله وعمارة الكون” يرى مواطن الخير والجمال والعطاء والوفاء في كل من حوله متصالح مع كل مظاهر الحياة بكافة أحوالها وهذه تجليات الحب الصادق.. هذا الرجل وكفى!!
وبكل حب وتقدير نقف عند عطائاته الكثيرة والمتميزة متأملين وداعين الله سبحانه وتعالى أن يقبله في الخيرين فقد جعل من نفسه شمعة تضيء للسالكين طريقهم نحو المستقبل ونسأل الله أن نجد تلك العطاءات في امتداده خالد واخوانه يحملون الراية بثقة واقتدار. وحق لهم أن يتربعوا على مواكب الزهو فخورين بعطاء والدهم وسعيدين بما أنجز “رحمه الله”.
إن استغرقت كلمتي هذه جانب الانطباع وتلبست بحلية من جنسه فالأمر لا يعدو كونه انطباعًا يعبر عن مشاعر صادقة تحت سيطرة الإدراك الواعي ببواعثها المتسامية وتفاعلاً مع التعامل على مدى رحلة صداقة وأخوة وزمالة ومحبة خالصة جاءت باقة فواحة بأريج المعاشرة، والتواصل الدائم، والوفاء المتبادل، والمشاركة في مسيرة تجربة الحياة، والكفاح والإصرار على تحقيق الطموحات والالتزام بالقيم. لكن الحياة قصيرة.. الأصدقاء والأقارب ، والزملاء يتساقطون دون أي انذار واعمارهم تنتهي فجأة بلا مقدمات فكــلـنا راحلون.
فقدنا صديقنا الغالي عبد الله عبد الخالق الحميليس حساً، لكننا لم نفقده معنى متجذر في نفوسنا وعواطفنا.
رحمك الله أبا خالد وأسعدنا بلقائك في جنات النعيم.. والله المستعان .

مساعد مدير تعليم أسبق

‫2 تعليقات

  1. لا فض فوك أستاذنا وأستاذ الجيل القيادي البارز الأستاذ سعد سعيد الحارثي فمن يعمل إلى جانبك وتذوق مع ومنك معنى القيادة وفن إدارة الرجال لابد له أن يقف شامخا بحروفك المضيئة بما تجمع بين البلاغة وعلو المكانة تحيط بها خبرة السنوات التي ميَّزتك عن الآخرين لذا أسجل شكري لكريم تواصلكم واترحم على زميلكم التربوي وعنوان المقال الأروع في رثائه رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان ويكفي أن الله اختار له حسن الختام في ليلة ختم القرآن وهذا يدل على حسن خاتمة الفقيد جزاه الله عن ما قدمه في رسالته التربوية وما تركه من آثار حميدة لك وافر تقديري ومودتي.

  2. يعجز الكلام كله في وصف فضلك، وذكر شكرك، وتقدير فعلك، فلك كل الثناء، وجزيل الشكر، وصادق العرفان، على كل ما فعلت وتفعل
    رفع الله قدرك في الدنيا والاخره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com