عام

سياحة الطعام في الباحة… بين الدغابيس والخبزة المقناة

إذا جاء في بالك أن تأكل أكلةً تراثيةً “شعبية” في منطقة الباحة؛ فلا يذهب بك الخيال إلى أبعد من الدغابيس والخبزة المقناة، وبالفعل هي الأكلات المشهورة عند أهل منطقة الباحة من غامد وزهران، ولو أردنا معرفة الأكلات وتصنيفاتها في الباحة؛ فسوف نحتاج إلى مجلد أو كتاب لا تقل صفحاته عن كتاب الأستاذ أحمد السياري “الباحة” ولا عن موسوعة الدكتور أحمد قشاش “النبات في السراة والحجاز”، فأهل الباحة عُرفوا بكرمهم العربي الأصيل، والذي يظهر جليًا في سفرهم وأكلاتهم الشعبية، والتي تُعد رمزًا للاعتزاز بحضارتهم وإرثهم وتنوعهم الثقافي سواءً في السراة، أو تهامة، أو البادية.
وعادة ما تصنف الأكلات في أي مكان إلى: تراثية، وشعبية، فالتراثية تأخذ مسمها مما وصلَنا من الأجيال السابقة من أكلات تشتهر بها كل منطقة من مناطق المملكة، وعادةً تكون هذه الأكلات من طبيعة، وجغرافية، ومناخ المنطقة، فكل عامل له تأثيره الخاص، فبعض الأكلات تكون شتوية وتمد الجسم بالدفء، وبعضها تكون من جغرافية المكان وتكوينه، فالأكلات في الجبال تختلف عمَّا هو في السهول وغيرها. يأتي بعدها الشعبية وهنا “يختلط حَبّ المساقي وحَبّ العثّري” فأكلات السعوديين بشكل عام في هذا الوقت تأتي من أصول حضرمية “كالمندي”، ومن أصول مصرية “كالطعمية”، وإذا بحثنا في أصل “البليلة” لوصلنا إلى الفراعنة والمصريين القدامى.
ما أود مناقشته في هذا المقال هو القيمة الحقيقية للأكلات التراثية في صناعة السياحة وخصوصًا “سياحة الطعام”، فالدغابيس، والعصيدة، والخوط (القراص)، المعرق، خبزة الملة، والخبزة المقناة، والفتة …وغيرها لا يخلو بيت في الباحة منها إما وجبة غداء، أو عشاء، وبعض الأحيان فطور، ولكنها غابت عن السوق السياحي، فكم من مطعم أو نزل ريفي أو سياحي يُقدم مثل هذه الوجبات بشكل دائم، ويستطيع السائح المحلي أو الأجنبي الوصول إليه في أي وقت، ويجد هذه الأكلات التراثية حاضرة وبجودة عالية على مستوى المكونات، أو طريقة التحضير، أو التقديم …الحقيقة لا يوجد.
وللإنصاف هناك عدد من المحاولات الخجولة هنا وهناك والتي تعمل على تقديم تلك الوجبات التراثية عن طريق الطلب المسبق أو من خلال ربات البيوت أو ما يُسمى بـ”الأسر المنتجة” والتي أصبحت في هذه الأيام تُسمى بـ”العاملة المنتجة” فذهبت كثير من الأسر إلى استقدام عاملات من شرق آسيا أو أفريقيا؛ لعمل الوجبات التي نراها على الأرصفة، وفي بعض الأسواق يروج لها على أنها وجبات الأسر المنتجة.
كذلك لا نغفل الدور الذي تقوم به وزارة السياحة من خلال الهيئة السعودية للسياحة ممثلة في “روح السعودية”، وتسليطها الضوء بشكل احترافي ومتميز في اكتشاف السعودية بطرق متنوعة، ومن ضمنها أكلات الباحة التراثية، فتجد في صفحتها عددًا من الأكلات، ومكونتها، وطرق تحضيرها، وما قامت به وزارة الثقافة من خلال هيئة فنون الطهي وتصنيف الخبزة المقناة من أكلات منطقة الباحة.
لذلك نتطلع ونأمل من الرياديين والرياديات وكذلك رجال الأعمال وملّاك النزل الريفية والسياحية العمل على نموذج عمل يضمن تقديم وجبات ذات طابع تراثي يرتبط بمنطقة الباحة سراة وتهامة للسائح الداخلي أو الخارجي؛ حتى يستطيع الحصول عليها والوصول لها في أي وقت مثلما هو في المطاعم القائمة حاليًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى