إن الوفاء خلق إسلامي سام، يجب أن يتحلى به المسلم في جميع شئونه، وتعامله، وقد أمر الله-عز وجل- بالوفاء أمراً صريحاً في الكثير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى:” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”، (الإسراء:34).
والوفاء من أجمل شيم الرجال، وأماراته كما يقول الأصمعي: “إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه”.
ومن أجمل قصص الوفاء المشهورة في التراث العربي؛ قصة أبو محمد الحسن المهلبي الذي ولد بالبصرة في السادس والعشرين من المحرم سنة 291هـ، ويعرف باسم الوزير المهلبي، كان رجلا عربيا استطاع أن يشغل منصب وزير الدولة البويهية أثناء حكم معز الدولة البويهي.
كان (المهلبي) قبل الوزارة فقيراً معدماً لا يملك قوت يومه حتى أنه سافر ذات مرة ولقيَ في سفره مشقة شديدة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه لأنه لم يجد ثمنه، وكان معه في الرحلة رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي، فأخذ يتمنى الموت من شدة فقره وعوزه فأنشد يقول:
ألا موت يباع فأشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي
يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصت قبراً من بعيد
وددت لو أنني مما يليه
ألا رحم المهمين نفس حر
تصدق بالوفاء على أخيه
فلما سمع رفيقه الأبيات رثى لحاله وقام بإعطائه درهماً اشترى له به لحم وقام بطبخه وأطعمه وتفارقا، ثم تمر الأيام ويعتني المهلبي بنفسه، ويجتهد ويترقى في المنصب والجاه، حتى أصبح وزيراً، وضاق الحال بصاحبه أبو عبد الله الصوفي (الذي تصدق عليه بدرهم)، فأرسل رقعة إلى الوزير محمد المهلبي كتب له فيها:
ألا قل للوزير فدته نفسي
مقال مذكر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيش
ألا موت يباع فأشتريه
فلما قرأ المهلبي الرقعة أمر له بسبعمائة درهم، ثم كتب تحت رقعته قول الله عز وجل-:
“مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حية أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم”، (البقرة:261)، ثم قلده عملاً يسترزق منه.
صدق الشاعر (أبو النجع الخوارزمي) حين قال:
عش ألف عام للوفاء وقلما
ساد امرؤ إلا بحفظ وفائه


