المعركة هي اختلاف بين طرفين يؤدي إلى أفعال أو أقوال معينة، سواء كانت للدفاع أو الاندفاع. هناك الكثير من أنواع المعارك، فهناك معارك يومية نخوضها، بل هناك معارك نخوضها حتى مع أنفسنا، للسير في عكس الهوى مثلًا. فالفيق من النوم الدافئ لمواجهة هذه الحياة معركة أحيانًا، وهذه من أهم المعارك التي يجب الانتصار بها بطريقة أو بأخرى. فالبعض، إن ضاقت به السبل، يلجأ إلى استشاري نفسي للدفاع عن النفس من النفس… وتلك من أسمى وأهم المواقف التي تتضح بها حكمة الإنسان.
في الحقيقة، إن هذا النوع من المعارك يجب الانخراط فيه والفوز به. قال الله عز وجل في سورة النازعات: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)، تلك المعركة مذكورة في القرآن لأن الله بحكمته يعلم أن الإنسان قد يميل إلى ما لا ينفعه أحيانًا، إلى منطقة الراحة التي لا كد فيها، إلى أشياء تضره في الأمد القريب والبعيد. ومن المهم جدًا أن يتحكم الإنسان بهواه ويصد عن كل ما يؤذيه ولا يعود عليه بفائدة، ليرتقي بنفسه إلى ما يحبه الله. وتلك معركة سامية مهمة في حياة أي شخص.
من أنواع المعارك الأخرى التي تمر على البشر هي المعارك السياسية التي تلجأ إليها الدول حين تحتاج ذلك. ومن المعارك المشهورة هي الحرب الباردة، التي سميت بذلك لأن الجانبين لم يعلنا رسميًا حالة حرب، بل عاشت الدولة ومواطنيها في حالة توتر إلى أن انتهت تلك الفترة.
وحين تعمقت، وجدت أن حتى البشر أحيانًا تعلن حالة حرب باردة بين بعضهم البعض. فلا يتحدثون عن المشكلة وأساسها، بل يكتم كل شخص غيظه ويتصرف بطريقة مريبة مع الطرف الآخر، فيعيش الطرفان في علاقة مليئة بالطاقة السلبية دون فهم المعنى أو إيجاد الحلول، بل يعيشون في معركة صامتة مستمرة إلى أجل غير معروف.
هناك أسباب كثيرة لتلك الحروب النفسية الوهمية المرهقة التي لم أجد لها أي فوائد، فمنها ما ينبع من زعل من موقف مكتوم، من منافسة، أنانية، غيرة، حب الانتصار والظهور… وأحيانًا تأتي من غضب شخصي غير مفهوم ينفجر في وجه أي ضحية.
فكم من صديق يفتتح معركة صامتة بمحاولته أن يفقد صديقه قيمته أمام الناس بطريقة أو بأخرى مثلًا، وفي الواقع تجد أنه لا توجد مشكلة حقيقية بينهما، فيحتار الطرف الآخر من سبب ذلك التصرف ومنبعه!
وكم من صديق آخر يتغير أو ينفجر بطريقة مرعبة من موقف صغير، فيحتار المتلقي من ذلك الغضب غير معروف الهوية. فما هو منبع تلك المعارك؟
البعض منا لديه نعمة الإحساس بالموقف، فيفهم مصادر كل فعل وسببه، ويحدد ردة فعله على ذلك الأساس، وتلك نعمة من الله. ولكن من المهم أن نتأكد ونوقن أننا لم نخطئ ولم نشعل نارًا لتلك المعركة. المهم أن يكون لنا ضمير حي، وأن نريحه بتصرفاتنا السليمة. المهم أن نترفع ونسْمو عن تلك المعارك التافهة إلى معارك لها مغزى ومفيدة ويجب الانخراط بها.
ولكن ما الحل في تلك المواقف؟ في تلك المعارك الاجتماعية التي تمتص الطاقة؟ وهل نُلغي الصديق بسبب شعورنا بنواياه الغريبة؟ تلك أسئلة تواجه الكثير منا. ومن رأيي، أعتقد أن الإنسان يجب أن يتوازن في كل شيء. كلنا لدينا عيوب ومحاسن، ولكن إن كانت العيوب والمعارك أكثر من المحاسن والسلام في العلاقة، فهنا يتوجب الابتعاد للحفاظ على الصحة النفسية.
على العموم، إن النفس الطيبة المكتملة الكاملة لا تلتفت لأولئك الجيوش، لا تخوض في معارك لا تعنيها. فتلك الحروب التي بلا مغزى لا تضرها ولا تلمسها، فإن لها مكانتها وعالمها الذي تكتمل فيه وحدها. ولا ضرر على حياتها من تلك الهجمات، بل هي في عالم جميل حيادي موازٍ.
لنقرر أن نترفع عن هذه المعارك النفسية الصامتة ونحافظ على طاقاتنا للحروب المهمة اللازمة، بل لننتقي حروبنا بدقة. وليُعالج كل امرئ منا نفسه من الداخل: من الغيرة، من الأنانية، من الغضب، من الحقد، لكي لا نجد أنفسنا طرفًا في معركة لا تهم. فليس لأحد الحق أن يُلحق الأذى مهما كان صغيرًا بسبب ضيقة قلبه.
افتح قلبك، اصنع عالمك، كن أنت، ولا تقارن ولا تنافس إلا نفسك. خصّ حروبك الشخصية المهمة المنتقاة وانتصر بها ولا تلتفت، فإنك الواحد الوحيد الأهم في صنع عالمك.
ولتُحب السلام وتنشره.
قرأت مقولة تقول: (عندما تجد السلام داخل نفسك، تصبح شخصاً من النوع الذي يمكن أن يعيش في سلام مع الآخرين).
