من قلب الجنوب النابض بالحياة، من قرية “راحة سنحان” حيث الطبيعة الخلابة والمزارع اليانعة، خرج ابن الوطن البار، علي بن حسن القحطاني، ليشق طريقه نحو المجد. منذ صغره، كان يرى نفسه طبيبًا، ليس طبيبًا عاديًا، بل طبيبًا باحثًا عن الحلول، ساعيًا إلى علاج جذري للألم، لا مجرد تسكينه.
تخرج د. علي في كلية الطب بجامعة الملك سعود عام 1995، ثم التحق بمستشفى الحرس الوطني بالرياض، لكن شغفه بالبحث عن علاج للألم المزمن قاده إلى آفاق أوسع. لم يكن يبحث عن حلول مؤقتة أو تسكين للألم فحسب، بل كان هاجسه القضاء عليه نهائيًا، بعيدًا عن المسكنات والمخدرات والعمليات الجراحية المعقدة.
في عام 2007، سافر إلى كندا، حيث التحق بجامعة “مكماستر” لدراسة تخصص تسكين الألم، لكنه لم يكتفِ بذلك، إذ وجد أن الطب التقليدي يعالج الأعراض دون استئصال جذور المشكلة. قرر اقتحام عالم الطب الوظيفي والتكاملي، وجمع بين عدة تخصصات لابتكار منهج جديد يجمع بين الطب الغربي الحديث والعلاجات الطبيعية. طرح فكرته على الجامعة، وبعد دراسة مستفيضة، تمت الموافقة عليها، ليصبح تخصص “طب الألم المزمن والجهاز الحركي من منظور الطب الوظيفي المتقدم” واقعًا معتمدًا في كندا، وحظي لاحقًا بإشادة جامعة هارفارد وكلية الأطباء والجراحين الكنديين. وبعد سنوات، تبنّت جامعة “مكماستر” برنامجًا جديدًا مستندًا إلى فكرته.
عاد د. علي إلى السعودية عام 2010، وأسس مركزًا طبيًا متخصصًا في الرياض ( مركز بدائل الجراحة التخصصي) وهو المركز الاول من نوعه في المملكة والشرق الأوسط. ، حيث واصل تطوير هذا المجال لمدة تسع سنوات. لكنه لم يتوقف عند ذلك، بل انطلق في رحلة بحثية استمرت أربع سنوات، تعمّق خلالها في دراسات متقدمة حول أمراض العصر المزمنة مثل الجلطات، الروماتويد، الأورام، وتليّف الكبد. درس تجارب أكثر من 45 عالمًا وباحثًا عالميًا، حتى توصّل إلى برامج علاجية متطورة تعتمد على وسائل طبيعية وآمنة، تساهم في الوقاية والعلاج الجذري لهذه الأمراض.
رحلة فارس الوطن لم تكن سهلة، بل كانت مليئة بالتحديات، لكنه أصرّ على الوصول إلى القمم، مؤمنًا بأن العظماء لا ينتظرون الفرص، بل يصنعونها. وها هو اليوم واحد من روّاد طب الألم الوظيفي في العالم، وعلامة مضيئة في سماء الطب السعودي.
• أستاذ التاريخ الإسلامي والإستشراق المشارك بجامعة طيبة