المقالات

تقنية الـ (VAR) وسـلوك المجتمع!

كـرة القدم! ملهمة الملايين والظاهرة الأكبر على مستوى العالم أجمع، عندما نتحدث عنها فنحن نتحدث عن لعبة رياضية يمارسها أكثر من 250 مليون من أطفال، وشباب، وكبار رجالاً ونساءً، ويهتم بها ويتابعها نصف سكان الكرة الأرضية تقريبا. وبين كل عام وآخر تقوم الفيفا بتعديل أو تصحيح بعض القوانين والممارسات لأجل أن تحافظ كرة القدم على ريادتها وتصبح أكثر حماسًا وتشويقًا وإثارةً للجدل؛ لخلق حالة من التنافس داخل الملعب وخارجه وبين الجماهير وعبر محطات التلفاز، والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي عام 2018 جاء الحدث والتغيير الاستراتيجي الأهم في عالم كرة القدم: التحكيم بمساعدة الفيديو! أو الـ(VAR) وهي التقنية التي تُـراجِع القرارات التي يتخذها حكم المباراة، وتعيد النظر فيما ذهب إليه في قراره.
وقد أحدث نظـام الـ(VAR) ثورة كبيرة في آلية اتخاذ القرار داخل المستطيل الأخضر، حيث مكّن الحكم من مراجعة القرارات وتصحيح الأخطاء، مما قلَّص الظلم وحقَّق العدالة. ففي السابق، كان من الصعب على الحكّام التراجع عن قراراتهم حتى لو أدركوا خطأها، ما أدى إلى حرمان دول وأندية من انتصارات مستحقة وفوز أخرى دون استحقاق، ولو وُجِد الـ(VAR) سابقا، لَغيّر نتائج العديد من البطولات بشكل جذري.
وفي الجانب الآخر، داخل المجتمع بكافة طبقاته من أفراد، وأُسر، وشـركات نرى مشاهد إجحاف مماثلة اتخذ أربابها قرارات مصيرية دون الإمهال وإعادة النظر حتى بعد سماع النصح والإرشاد؛ بسبب الإيمان بعادات سلبية جعلت البعض يصنّف التراجع عن القرار و”تغيير الكلمة” دلالة على الضعف والتردد والاستسلام؛ مما دفع الكثير من الناس إلى التمسك بقرارتهم الخاطئة خشية كلام الناس!

فـكم من عائلات تغيّرت حياتهم بسبب قرارات عنيدة: كالطلاق، أو الإجبار على الزواج بحكم أن الأب “أعطى كلمته ولن يعود عنها”، وراح ضحية هذه “الكلمة” أبناء وبنات تبدّلت حياتهم وتغيّر مستقبلهم بسبب عناد صاحب القرار!
وكم من مدير وصاحب قرار ظلمَ وفصل موظفين لأسباب وظروف كان من الممكن أن يعيد النظر فيها ويرى الحق، ولكن بسبب “سمعته القوية الصارمة” أودى بحياة الآخرين إلى منعطفات لم يتوقعوها.

وقد كان هذا النهج – العناد والإصرار على الرأي – هو السائد داخل المستطيل الأخضر وخارج أسواره في المجتمع. وهذا يدفعني إلى التساؤل.. في هذه الأيام والعالم بأسره يتابع أحداث المستديرة والثورة التقنية التي أجبرت الحكم بإعادة النظر في القرارات. هل ستتأثر المجتمعات وخصوصا العربية بقـانون الـ(VAR)؟ وهل سيكون من السهل إعادة النظر في القرارات؟ وهل ستتأثر مجتمعاتنا إيجابًا بالـ(VAR) ويصبح الحكم الجمعي أكثر نضجا ولا يربط قيمة الإنسان وقدره بتعنته وإصراره على رأيه؟
فلا أجمل من مجتمع يكون فيه الأفراد أكثر انفتاحًا وقبولاً لفكرة إعادة النظر ومراجعة الأحكام؛ وهذا السلوك يعزز الحوار والتفاهم ويساعد في بناء وتطوير ذهن ناقد وواعي يميّز بين الصواب والخطأ مما يؤدي إلى إصدار واتخاذ القرارات بحكمة ومسؤولية أكثر.
وكل عام وانتم بخير

‫6 تعليقات

  1. مقال جميل فيه حبكة ويقلد منه المجتمع وفق الله كاتبه وكتب أجره

  2. أحسنت والله يا شيخ ياريت فعلا كل انسان فينا يتمهل لحظات قبلا اتخاذ أى قرارات تحياتي لحضرتك

  3. كل عام وانتم بخير. نعم ابو مروان كم هو جميل ما سطرته من مقال له أبعاد وحيثيات متعددة والهدف هو ان نراجع انفسنا في بعض القرارات وان نتشاور مع الآخرين وندرس القرار من جميع الزوايا وليس عيبا ان يتراجع الشخص إذا اخطأ فلولا الأخطاء لاما تعلم البشر.
    مقال جميل من استاذ أبدعت ولك الشكر والتقديرية

  4. كم انت مبدع استاذ محمود واعجابي في ابداعك وتفانيك وتميزك في جميع المجالات يتعدى عنان السماء …
    كنت ومازلت مصدر الهام الكثير وانا منهم .
    تنقلنا بقلمك بين الرياضة والتقنية وعلم النفس وعلم الاجتماع والنقد
    قلم وفكر ثري لا تحرمنا من ابداعك استاذ محمود .

اترك رداً على نجلا اوان إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى