في عالم مضطرب تحكمه التحولات السريعة وتحديات الأمن والطاقة، تبرز المملكة العربية السعودية كنبض للاستقرار الإقليمي والدولي، ومركز ثقل سياسي واقتصادي يُعوَّل عليه في ترميم التوازنات المختلة وبناء شراكات استراتيجية مستدامة. ليست المملكة لاعبًا عابرًا في المشهد الدولي، بل هي ركيزة يُعاد حولها تشكيل المعادلات الكبرى، بدءًا من أمن الطاقة العالمي، مرورًا بالجهود الدبلوماسية، وصولًا إلى الأبعاد الجيوسياسية الأوسع في الشرق الأوسط.
اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمملكة كوجهة أولى في زيارته الخارجية، وللمرة الثانية خلال فترتيه الرئاسيتين، لا يمكن فصله عن هذا المعنى العميق. إنه اعتراف مباشر بأن الرياض لم تعد مجرد حليف إقليمي، بل أصبحت نقطة ارتكاز في حفظ الاستقرار، والتصدي للمهددات، وقيادة الحوار الدولي بمسؤولية واتزان. فبينما تموج المنطقة بصراعات معقدة، تبقى المملكة صمام أمان، ومحور توازن، ومركزًا للحلول، وليست جزءًا من الأزمات.
يشهد العالم اقتصاديًا تحولًا تدريجيًا في مفهوم الشراكات، حيث باتت الدول تبحث عن حلفاء يتمتعون بالموثوقية والرؤية طويلة الأمد. وهنا تظهر السعودية، ليس فقط كأكبر مصدر للطاقة، بل كدولة تقود تحولات اقتصادية داخلية عملاقة عبر رؤية 2030، وتتبنى منهجية استباقية في تنويع اقتصادها، واستقطاب الاستثمارات النوعية، وبناء بنية تحتية تستند إلى الابتكار والتقنية والطاقة النظيفة. هذا الطموح المتوازن جعل منها شريكًا مثاليًا للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يأتي منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي ليجسد تطور الشراكة الاقتصادية بين البلدين، ويعكس الرغبة المتبادلة في تعميق الروابط الاستثمارية. ويُعد المنتدى منصة استراتيجية لدفع التفاهمات الاقتصادية قُدمًا، حيث تهدف المملكة إلى رفع حجم استثماراتها في الولايات المتحدة إلى أكثر من 600 مليار دولار، تغطي مجالات حيوية متعددة تشمل التكنولوجيا، والطاقة النظيفة، والصناعة، والبنية التحتية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
فالمملكة بما تحمله من رمزية دينية وقيادة روحية، تمثل مركزًا جامعًا للأمة الإسلامية، ومصدر ثقة في الدفاع عن قضاياها، وتعزيز وحدتها، وتقديم صوت الاعتدال والحكمة في مواجهة التطرف والصراعات الطائفية. وقد أظهرت عبر تاريخها الحديث قدرة استثنائية على الجمع بين الأصالة والتحديث، بين الثبات في المبادئ والمرونة في الأدوات، ما عزز من مكانتها واحترامها عالميًا.
ان زيارة الرئيس ترامب، ولقاءاته مع القيادة السعودية، والقمة الخليجية – الأميركية المنعقدة على هامشها، لا تقتصر على بروتوكولات سياسية، بل تُمثل محطة استراتيجية لإعادة ترسيم أفق الشراكة، وبحث قضايا الأمن والطاقة والاستثمار، وترسيخ التفاهمات تجاه الملفات الحساسة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأمن الخليج، ومكافحة الإرهاب.
المملكة اليوم، بما تمثله من عقلانية في السياسة، وقوة في الاقتصاد، ومرجعية في العالم الإسلامي، تؤكد للعالم أنها ليست فقط قلب المنطقة، بل نبض استقرارها، ومفتاح أمنها، وركيزة بناء مستقبلها.

1
لله درك يا سعادة البروفسور مقالاتك توفوح بعبير عطري للوطنية والانتماء لهذا البلد المعطاء وسرد تحليلي تاريخي وسياسي ينم عن التوسع الثقافي الإبداعي فصح لسانك وقلمك