عام

الإعلام وترسيخ القيم الأخلاقية لدى أفراد المجتمع

مع تطور وسائل الإعلام وتعددها؛ أصبحت الرسائل الإعلامية تصل إلى جميع فئات المجتمع بسرعة غير مسبوقة؛ ما يجعل للإعلام قدرة هائلة على التأثير في المنظومة القيمية والأخلاقية للأفراد.. في ظل ما يشكله الإعلام من دورٍ مؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات، بتشكيله الرأي العام وتوجيه السلوك الفردي والجماعي، وخاصة مع التحولات الاجتماعية والثقافية المتسارعة.. حيث التساؤل حول مدى إسهام الإعلام في ترسيخ القيم الأخلاقية، ودوره في حماية الهوية الثقافية وتعزيز السلوك الإيجابي.
وينبثق مفهوم القيم الأخلاقية من كونها مجموعة مبادئ ومعايير توجه سلوك الإنسان، وتحدد ما هو مقبول ومرفوض في المجتمع، مثل الصدق، والأمانة، والاحترام، والتسامح، والعدل؛ وهذه القيم لا تُبنى عشوائيًا، بل تُكتسب من البيئة المحيطة، وأهمها الأسرة، المدرسة، والمؤسسات الثقافية والدينية، إلى جانب وسائل الإعلام؛ التي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل وجدان الفرد وتوجيه سلوكه، وتظهر عبر نشر النماذج الإيجابية بتقديم قدوات حسنة في مختلف المجالات، مما يحفز الجمهور، وخاصة الشباب، على تقليد السلوكيات الإيجابية.
وما ينقص وسائل الإعلام في ظل هذا التوسع الرقمي تعزيز الوعي الأخلاقي من خلال البرامج الحوارية، والأفلام الوثائقية، والمسلسلات التي تناقش قضايا مجتمعية وتسلّط الضوء على مفاهيم الخير والشر، والمسؤولية المجتمعية، ومواجهة السلوكيات السلبية بكشف مظاهر الانحراف الأخلاقي مثل العنف، والكراهية، والتمييز، والتحذير من آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، إلا أن هناك تحديات تواجه الإعلام في ترسيخ القيم، فرغم الإمكانيات الكبيرة المتاحة، يواجه الإعلام تحديات عدة تحدّ من دوره الإيجابي.
وتضع بعض وسائل الإعلام بتركيزها على الإثارة الربح فوق المسؤولية الاجتماعية، ما يؤدي إلى نشر محتوى غير أخلاقي أو سطحي، مع ضعف الرقابة والتوجيه بغياب المعايير الأخلاقية الصارمة في بعض المؤسسات الإعلامية يفتح المجال أمام الانحرافات، كما أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة لنشر محتويات متضاربة، بعضها يعارض القيم الأخلاقية السامية، ولتحقيق دور فاعل للإعلام في ترسيخ القيم، يجب تبني خطوات عملية؛ تتمثل في تدريب الإعلاميين على المسؤولية الأخلاقية في نقل المعلومة وإنتاج المحتوى، وإنتاج برامج إعلامية تربوية تعزز الانتماء والاحترام والحوار.
كما يجب تعزيز الشراكة مع المؤسسات التربوية والدينية لترسيخ رسائل موحدة تعزز القيم النبيلة، وتفعيل الرقابة الأخلاقية والمهنية على المحتوى الإعلامي.. فيبقى الإعلام سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يكون قوة بناء أو أداة هدم.. وفي زمن تغمرنا فيه الرسائل الإعلامية من كل صوب، تتعاظم المسؤولية الملقاة على عاتق الإعلام في الحفاظ على القيم الأخلاقية في المجتمع، والمساهمة في تنشئة أجيال متزنة وواعية.
ومن هنا.. فإن الاستثمار في إعلام هادف وملتزم بالقيم يُعد استثمارًا في مستقبل الأمة!!

محمد العواجي

كاتب صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى