
قصة قصيرة
كانت خطواتي تنزلق نحوها لا إراديًا، كما لو أن الأرض نفسها تدفعني، كأنها مغناطيسُ ماضٍ يسحبني بقوّة لا تُرى. قبضتي مشدودة، أصابعي تتداخل كأني أحتجز زلزالًا بين راحتي. الغضب في صدري يزأر، يجلجل دقّات قلبي كطبولٍ تقرع لجولة حرب أخيرة.
الدم في عروقي يغلي، وعيناي تتقدان بنار الحلم القديم!
ذاك الحلم الذي تأخرتُ عن استيقاظ منه طويلًا: أن أراها تنهار تحت يدي، أن أنتزع العدالة بقبضتي.
وسط ضجيج الحفل وأضواء القاعة الراقصة، كنت أراها وحدها. لا الأغاني تهمس في أذني، ولا الفتيات اللاتي ينسجن الفرح بتمايلهن، ولا الشموع التي تومض على الطاولات كأنها نجوم تائهة!
هي وحدها كانت المشهد، وما عداها كان ضبابًا.
تخيّلتُ عنقها بين كفّي.
واهنة، تتدلّى أنفاسها، تترنح خطواتها في هاوية النهاية. جسدها يُفرَغ من الحياة، تمامًا كما فرغَتْ هي من الرحمة حين خانتني وتركتني أجمع بقايا رجلٍ ما عاد يشبه اسمه!
اقتربتُ… صوتُ الصخب يرتفع، لكن داخلي صامتٌ لا يسمع إلاّ صوت دمائي وهي تغلي.
أُطفئت الأضواء، بقي شعاعٌ وحيد مسلّط على العروس، التي ترقص في نشوة ساحرة ، تزهو بفستانها الأبيض، كما لو أن البياض يُمكنه غسلُ السواد!
تقدّمتُ بثبات، يداي ترتفعان…
ها أنا أمتدُّ نحو القصاص!
لكنها استدارت…
الكرسي المتحرك دار ببطء كأن اللحظة تتنفس بثقل، وعندما رفعت رأسها إليّ، رأيت الفراغ…
عيناها مطفأتان، وجهها مشوّه، ويدها المرتجفة ناقصة الأصابع تمتد نحوي مصافحة.
ثم جاء صوت المطربة، يخترقني كأنّه نبوءة:
“يجي لك يوم يا ظالم… تندم على اللي سويته…”
تجمّدتُ.
انهارت يداي!
ارتطم ظهري بعامود خلفي، كأنني اصطدمت بالحقيقة.
وقفتُ كجثةٍ بلاشعور!
أدرتُ ظهري…
وأُضيئت القاعة.
جميلة جدا وعميقة.
لغة متقنة وتكثيف حرفي ووصف مسرحي موفق.