ممتنون للهِ عز وجل أن خصَّ من عدة الشهور الاثني عشر أربعةً حُرُمًا، ثلاثةٌ منها متوالية وواحدٌ منفرد، وهي الشهور التي حذَّر سبحانه وتعالى فيها من ظلم النفس، وذلك بارتكاب المعاصي على اختلافها، من قتل وسرقة وكذب ونحوها. كما ورد في كتابه الكريم في سورة التوبة، قال تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 36).
ومن هذه الآية الكريمة يتوجب علينا إدراك ضرورة استغلال تلك الأشهر بتقوى الله، والالتزام بأوامره، والعمل بما يُرضيه عنا.
لكني في هذه الرحلة التي سأصطحبكم إليها، سيكون محور حديثي مقتصرًا على شهر مبارك وموسم عظيم، ألا وهو الركن الخامس من أركان الإسلام: موسم الحج. وسنتعرف في هذه الرحلة على تاريخ فريضة الحج، وأول من بدأ بهذا النسك، وفضله، وأركانه، وواجباته، وشروطه.
نبدأ مسيرتنا بتاريخ فريضة الحج وأول من بدأ بالنسك. فقد أجمع الجمهور على أن الحج فُرض في السنة التاسعة من الهجرة، حيث أمر رسول الله ﷺ أبا بكر الصدّيق أن يحج بالناس أميرًا عليهم، وفي السنة العاشرة حجَّ النبي ﷺ بنفسه حجة الوداع.
أما أول من بدأ بالنسك، فهو نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، فهو أول من بنى البيت على التحقيق، وأول من طاف به مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، وهما من سألا ربهما أن يُريهما مناسك الحج ويُعلّمهما إياها، والدليل قوله تعالى:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 127-128).
فضل الحج:
– هو من أفضل الأعمال والقُرُبات إلى الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سُئل رسول الله ﷺ: أيُّ العمل أفضل؟ قال: “إيمانٌ بالله ورسوله”، قيل: ثم ماذا؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”، قيل: ثم ماذا؟ قال: “حج مبرور”.
– والحج يعدل الجهاد، وينوب عنه لمن لا يقدر عليه. فقد قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: “لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور”.
قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد أن سمعت هذا من رسول الله ﷺ.
– والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، كما في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ:
“العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
– والحج المبرور سببٌ لمغفرة الذنوب، فعن النبي ﷺ قال:
“من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه”.
– والإكثار من الحج والعمرة سببٌ لنفي الفقر والذنوب، قال رسول الله ﷺ:
“تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد”.
– والحاج وافدٌ على الله، ومن وفد على الله أكرمه، قال ﷺ:
“الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفدُ الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم”.
أركان الحج أربعة:
- الإحرام
- الطواف
- السعي
- الوقوف بعرفة
واجبات الحج سبعة:
- الإحرام من الميقات
- الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارًا
- المبيت بمزدلفة ليلة النحر إلى ما بعد منتصف الليل
- المبيت بمنى في ليالي التشريق
- رمي الجمار مرتبًا
- الحلق أو التقصير
- طواف الوداع
شروط الحج:
- الإسلام
- العقل
- البلوغ
- الاستطاعة (وجود الزاد والراحلة)
- كمال الحرية
- وجود المحرم للمرأة، فإن حجت بدونه أُثِمت وحجها صحيح
ختامًا،
أود التأكيد على أهمية تعظيم شعيرة الحج، والابتعاد عن الانشغال عنها بما لا يفيد، كقضاء الوقت في متابعة أخبار وسائل التواصل الاجتماعي، أو المكالمات الطويلة التي تُلهي عن العبادة. فهذه الأيام معدودات، تمضي سريعًا، وعلينا استغلالها في الطاعات من ذكر، ودعاء، وقراءة قرآن، ومجاهدة للنفس، لننال رضا الله وغفرانه