كل عام، تتجدد جهود المملكة العربية السعودية في تنظيم فريضة الحج، مستنفرةً طاقاتها البشرية واللوجستية، ومقدمةً أحدث الإجراءات الأمنية لضمان حج آمن وميسر. هذه الجهود، التي تتوجها رعاية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، تعكس حرص القيادة على خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين. ومع ذلك، تخرج علينا في كل عام بعض المحاولات التي تسعى إلى خرق هذه الجهود والعبث بها، سواء عبر الاحتيال على الحجاج أو التحايل على الأنظمة، متجاوزةً بذلك تعاليم الدين ومقتضيات الطاعة لولي الأمر.
إن فريضة الحج هي رحلة إيمانية عظيمة، ينبغي أن تؤدى وفقًا لما شرعه الله ورسوله، وبما يضمن سلامة الحجاج وراحتهم. ولكن، عندما يتحول الحج إلى وسيلة للتحايل على النظام، أو يتم دون تصريح، فإنه يفقد جوهره ويصطدم بالمبادئ التي قامت عليها هذه الفريضة.
إن قوله تعالى: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” وقوله صلى الله عليه وسلم: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”، يؤكدان أن الحج ليس مجرد رحلة، بل هو التزام روحي يتطلب الانضباط والالتزام بالضوابط الشرعية والنظامية. فكيف يكون حجًا لمن يخالف ولي الأمر، ويتحايل على الأنظمة، ويزور الحقائق، ويطعن في جهود تبذل لضمان أمنه وسلامته؟
إن تنظيم أي تجمع بشري ضخم في العالم يتطلب استنفار طاقات الحكومات الأمنية واللوجستية لضمان أمنه واستقراره، وحمايته من الحوادث الطبيعية أو الأنشطة الإجرامية والإرهابية. فما بالنا بتجمع هو الأكبر من نوعه في العالم، يضم ملايين البشر، ويواجه تحديات هائلة تتمثل في الطاقة الاستيعابية للمكان، وضيق الزمان، واختلاف اللغات والثقافات، والاعمار، وتحديات بيئية ومناخية، وتربص حاقد او حاسد، ومع ذلك، تتفوق حكومة المملكة العربية السعودية في كل عام على هذه التحديات، وتُخرج تنظيم الحج في أبهى صورة أمنية وأفضل أداء خدمي متكامل.
وللتذكير والمقارنة بينما تقدم معظم الدول خدماتها لأي تجمع انساني بمقابل مالي، فإن المملكة تقدم خدماتها لضيوف الرحمن بالمجان، بل وتنفق المليارات على حشد الجهود الخدمية، بدءًا من سفاراتها في الخارج، مرورًا بمطاراتها، ووصولًا إلى مكة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة، وحتى عودتهم إلى ديارهم. كما يتلقى ملايين الحجاج خدمات صحية عالية الجودة مجانًا، في حين أن معظم الدول تقدم الخدمات الصحية بمقابل.
وفي ظل هذه الجهود الجبارة، يظهر هناك من يحاول التحايل على النظام والحج دون تصريح. وعندما يواجه هؤلاء المارقين قوة الحصون الأمنية التي تمنعهم حفاظًا على حقوق الآخرين وسلامتهم، يلجأون إلى السب والشتم والكذب وتزوير الحقائق. ولكن، مهما كانت هذه المحاولات الفوضوية، التي لا تعبر إلا عن فوضوية أصحابها، فإنها ستتكسر فوق صخور قوات الأمن السعودي. فالقيادة والحكومة والشعب في المملكة يرون خدمة الحرمين الشريفين تضحية وتفاني لأن تكون تاج عز وفخر، على رؤوسهم ولا يدخرون جهدًا في سبيلها.
ختاماً
إن ما يراه العالم من جهود مستمرة لعمليات القبض وإحباط آلاف المحاولات للتسلل غير النظامي للحج تؤكد قوة وجدارة وتفوق تكامل أجهزة الأمن السعودي تحت رعاية واهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، وإشراف ومتابعة دقيقة من كافة القطاعات الأمنية.
وتؤكد بأن الحج بتصريح ليس مجرد إجراء إداري، بل هو ضمانة لسلامة الحجاج، وكرامة لرحلتهم الإيمانية، وتنظيم يكفل أداء الفريضة بيسر وسهولة. فهل نعي جميعًا أهمية الالتزام بهذه الأنظمة، وندرك عظم الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن؟