في كتابه “هل انتهى القرن الأمريكي”، لمؤلفه أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد العالم الأمريكي “جوزيف ناي”، الذي اشتهر بابتكاره مصطلحي “القوة الناعمة”، و”القوة الذكية”، يقول المؤلف: “يعتقد الكثيرون حول العالم أنه كذلك، ففي السنوات الأخيرة أظهرت الاستطلاعات أن 15 بلداً من بين 22 أجريت عليها الاستطلاعات، أجابت بأن الصين إما أنها ستحل محل أمريكا، أو أنها بالفعل حلت محلها باعتبارها القوة العالمية القائدة”.
يرصد الكتاب ديون أمريكا الخارجية التي وصلت إلى رقم غير مسبوق يقدّر بأكثر من 22 تريليون دولار، ودائماً ما كان الاقتصاد -والكلام للمؤلف- هو الداعم لتأكيد انهيار القرن الأمريكي، على الرغم من وجود رأي متفائل نسبياً داخل الكتاب بأن القوى الموجودة على الساحة لا تمثل خطراً على القرن الأمريكي، وأن أمريكا سوف تستمر في السيطرة على العالم.
قارن الكتاب وضع أمريكا باضمحلال إسبانيا في عهد فيليب الثاني، وبعد أن أصبحت أمريكا القوة الأعظم في عالم أحادي القطب، تنبأ المؤلف بأنها سوف تنتهي بسرعة لتحل مكانها الصين.
حول ذلك يقول المؤلف: لقد أدركت الصين الشعبية أن التطور العلمي والمعرفي هو الذي قاد أمريكا إلى الصدارة العالمية في القرن العشرين، وأن المعادلة التي تحكم فلسفة العصر الحديث هي: “أن من يملك العلم والمعرفة، سوف يملك العالم”.
لذلك فإن كل المؤشرات تشير إلى أن القرن القادم ستهيمن عليه الصين، على غرار مصطلحات القرن الأمريكي، والذي يشير إلى القرن العشرين، والذي يصف فترة تاريخية مهيمنة من قبل أمريكا في النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية، وتحديداً من منتصف القرن العشرين حتى الآن، وكذلك القرون البريطانية التي تشير إلى القرنين الثامن والتاسع عشر، والتي شهدت فيه صعود الإمبراطورية البريطانية، وقرون أخرى كالقرن السادس عشر، والذي يصف فترة الصراع الديني والعرقي في أوروبا.
إن الصين تعمل الآن بصمت نحو تحقيق هدفها في صدارة العالم، فنجدها الآن وقد بدأت في تغيير عدادات الطاقة بالعالم، فالصين تعد حالياً ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، إذ يبلغ استهلاكها حوالي ستة عشر مليون برميل يومياً، قبل أن يتراجع إلى حوالي خمسة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2060م.
تراجع الاستهلاك لا يعني تراجع الدور الصيني، بل على العكس، فقد استثمرت الصين عام 2024م، حوالي تسعمئة وأربعين مليار دولار في التحول نحو ما تسمى بـ(الطاقة النظيفة).
إن هذا الرقم يعادل حجم استثمارات أمريكا وأوروبا وكندا والهند مجتمعة، وعدد مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الصين تعادل ضعف إجمالي عدد المشاريع في العالم.
وحسب الإحصائيات تعتبر الصين حالياً أكبر منتج للسيارات الكهربائية بالعالم، مستحوذة على ما نسبته 58% من سوق إنتاج السيارات الكهربائية بالعالم، وتمتلك الصين أيضاً حوالي 60% من المعادن المستخدمة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وهي أيضاً تستحوذ على ما نسبته 80% من سلاسل تصنيع ألواح الطاقة الشمسية في العالم.
والخلاصة: صحيح أن الصين الشعبية لاعب رئيسي ومؤثر في أسواق النفط، ولكن في أسواق (الطاقة النظيفة) سوف تكون لاعباً مسيطراً، وربما بلا منافس.