في مطلع كل عام هجري، ومع إشراقة فجر الأول من محرم، يقف أكثر من مليار مسلم على امتداد الأرض، وقلوبهم معلقة بالكعبة المشرفة، تترقب لحظة مهيبة، تفيض بالإيمان، وتُشعل في الروح يقينًا بأن لهذا البيت ربًّا عظّمه ورفعه، وأكرم أهله بخدمته.
إنه يوم استبدال كسوة الكعبة المشرفة، الذي تحوّل من مناسبة تقليدية إلى مشهد روحي مهيب عالميا ، تُستهل به سنة هجرية جديدة، وتُجدد معه القلوب بيعتها لقبلة المسلمين.
لقد تشرفت بين عامي 2021م – 2023م بأن أكون مساعدًا للرئيس العام لمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة سابقا ، ورافقتُ هذه اللحظات عن قرب، لا بوصفي مسؤولًا فقط، بل عاشقًا لهذا المقام الشريف، وشاهدًا على تحولات تاريخية صدرت بأوامر ملكية كريمة، أعادت تنظيم مراسم هذا الحدث بما يليق بجلاله ويعطبة الزخم الإعلامي العالمي بما يدخل الفرح والسرور على قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ومن المحطات الفارقة التي عايشتها عن قرب تحويل تسليم كسوة الكعبة المشرفة من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لتسليمها لكبير سدنة بيت الله الحرام في يوم عيد الأضحى المبارك، الموافق العاشر من ذي الحجة، وذلك اعتباراً من عام 1443 هـ (2022 م). قبل هذا التاريخ، كانت عملية التسليم تتم بين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وكبير سدنة بيت الله الحرام. ووفقًا لتوجيهات الملك سلمان، أصبح التسليم يتم مباشرةً من خادم الحرمين الشريفين أو من ينيبه، -عادةً سمو أمير منطقة مكة المكرمة -لكبير السدنة.
ومن الأحداث في تلك الفترة والتي عايشتها وكانت بعد دراسة متفيضة من مختلف الجهات الحكومية المعنية موعد استبدال الكسوة الكعبة المشرفة والذي كان سابقا يجري فجر يوم عرفة (9 ذو الحجة).
مع انشغال المسلمين بوقفت عرفة وتجاه البوصلة الإعلامية لهذا الحدث العظيم عن تغطية فعالية استبدال ثوب الكعبة المشرفة.
وبأمر ملكي كريم صدر عام 1444هـ (2022م): أصبح موعد الاستبدال في غرة محرم من كل عام هجري الأمر الذي كان له إيجابيات كثيرة وتغطية إعلامية كبيرة لهذا الحدث العظيم ، إيذانًا ببدء السنة الجديدة في حضرة أطهر بيت على وجه الأرض.
ومن الأحداث التي عشتها في تلك الفترة المميزة تغيير المسمى الرسمي لمصنع كسوة الكعبة المشرفة إففي عام 1443هـ / 2022م، صدر أمر ملكي كريم بتغيير اسم “مصنع كسوة الكعبة المشرفة ” إلى:”مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة”تكريمًا لاسم المؤسس طيب الله ثراة الملك عبدالعزيز آل سعود وتأكيدًا على الهوية المؤسسية الجديدة التي تقود التحول نحو التميز في خدمة الحرمين، انسجامًا مع رؤية المملكة 2030
كما كنت جزءًا من الفريق التنفيذي الذي تابع عن كثب قرار تحويل المصنع إلى “مجمع الملك عبدالعزيز”، وتفعيل عدد من المبادرات الطموحة لمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة من أهمها تحويل موقع المجمع إلى معلم حضاري واقتصادي وثقافي لمدينة مكه المكرمة والقادمين إليها، ودراسة خط إنتاج جديد لصناعة سجاد الحرمين الشريفين، في أثناء عملي في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، لفت نظري الكمّ الكبير من القطع الأصلية لكسوة الكعبة السابقة، التي تُخزّن بعناية فائقة في المستودعات بعد استبدال الكسوة سنويًا. هذه القطع تمثّل موروثًا دينيًا وتاريخيًا فريدًا، يحمل عبق السنوات التي لفّت بها الكعبة، ويستحق أن يُستفاد منه بما يليق بقيمته. ومن هنا، تبلورت لدينا فكرة إطلاق مبادرة وطنية للاستفادة من الكسوة القديمة، في إطار يتماشى مع رؤية المملكة 2030 في محور “تعزيز الهوية الوطنية وتحقيق الاستدامة الثقافية”
اليوم، وبعد أن أنهيت مهامي الرسمية، تبقى هذه الذكرى محفورة في قلبي: أنني كنت شاهدًا على لحظة تاريخية، ومسؤولًا في ميدان يرتبط بأقدس بقاع الأرض.
أرفع أسمى آيات الشكر والولاء لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – على رعايتهم العظيمة لشؤون الحرمين، وعلى تمكين المؤسسات من أداء واجبها بأعلى معايير الجودة والتشريف.
ونسأل الله أن يديم على وطننا أمنه، وعلى قادتنا توفيقهم، وأن يُبارك لكل مسلم هذا العام الهجري الجديد، وأن يجعل الكعبة قبلةً تُجمّع

0