المقالات

أهمية التفكير الصحيح في صنع واتخاذ القرار ..

في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتزايد فيه التعقيدات، تصبح القدرة على اتخاذ قرارات سليمة مهارة حيوية لكل فرد. لكن لفهم هذه المهارة، يجب التمييز بين صنع القرار واتخاذ القرار، ومعرفة الدور المحوري الذي يلعبه التفكير النقدي في كلا العمليتين.

الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار:
رغم أن المصطلحين يُستخدمان أحيانًا بالتبادل، إلا أن بينهما اختلافًا جوهريًا:
صنع القرار (Decision Making) هو عملية شاملة تبدأ بتحديد المشكلة أو الفرصة، ثم جمع المعلومات، وتحليل الخيارات، وتقييمها، لاختيار الأنسب من بينها. إنها عملية متعددة المراحل تتطلب وقتًا وجهدًا وتحليلًا عميقًا.
اتخاذ القرار (Decision Taking) هو الخطوة الأخيرة من عملية صنع القرار، حيث يتم حسم الأمر واختيار أحد البدائل بعد تقييمها.
بعبارة أوضح: صنع القرار هو بناء الأساس، بينما اتخاذ القرار هو اللحظة التي يتم فيها اختيار الطابق الذي سيُقام عليه البناء.

أهمية التفكير النقدي في عملية صنع واتخاذ القرار
لكي تكون القرارات عقلانية وفعالة، فإنها تحتاج إلى قاعدة صلبة من التفكير النقدي. هذه المهارة الفكرية تتيح للفرد النظر إلى الأمور بعمق وتحليل وتقييم المعلومات بمعزل عن التأثيرات العاطفية أو الانحيازات الشخصية. إليك أبرز جوانب أهمية التفكير النقدي:

1.التحرر من التحيزات الذاتية:
التفكير النقدي يساعد الشخص على تجنّب الوقوع تحت تأثير ميوله الشخصية أو انفعالاته، ما يجعل تقييمه للخيارات أكثر موضوعية.
2.تحليل عميق للمشكلة:
من خلال التفكير النقدي، تُفكّك المشكلة إلى عناصرها الأساسية، وتُفحص كل معلومة بدقة، مع التركيز على الأسباب والنتائج لا الانطباعات والانفعالات.
3.اتباع خطوات علمية لاتخاذ القرار:
التفكير النقدي يدعم المرور المنهجي عبر مراحل اتخاذ القرار، وهي:
تحديد المشكلة
تحليلها
اقتراح البدائل
تقييم البدائل
اختيار الحل الأنسب
تنفيذ القرار
تقييم النتائج بعد التنفيذ
4. الاستقلالية في التفكير:
يساعد التفكير النقدي على تعزيز ثقة الفرد بنفسه، ويمنحه القدرة على اتخاذ قرارات قائمة على قناعته وتحليله الشخصي.
5. التمييز بين العاطفة والمنطق:
من خلال التفكير النقدي، يمكن التفريق بوضوح بين الأفكار القائمة على المشاعر، وتلك المبنية على حقائق قابلة للتحقق.
6. التحقق من الادعاءات:
التفكير النقدي يدرّب العقل على التساؤل والتحقق من المعلومات وعدم قبولها على أنها صحيحة لمجرد أنها متداولة أو شائعة.
7. الانفتاح والتواضع العقلي:
يمكّن الفرد من تقبّل وجهات النظر المختلفة، دون أن يفقد القدرة على تقييمها بعقلانية، مع الحفاظ على روح الشك البنّاء تجاه كل ما لم يُثبت بعد.
8. طرح الأسئلة الجوهرية:
العقل النقدي لا يرضى بالإجابات السطحية؛ بل يطرح أسئلة دقيقة لفهم الأسباب العميقة للمشاكل واكتشاف حلول واقعية.
9. تمييز المعلومات ذات الصلة:
يساعد في التركيز على المعلومات المهمة المتعلقة بالمشكلة، مع إهمال التفاصيل الثانوية التي قد تشتت الانتباه دون فائدة.
10. تعزيز الإبداع والتفكير التأملي:
من خلال التفكير النقدي، تتوسع القدرة على التفكير الإبداعي، وطرح حلول غير تقليدية، والتمييز بين الآراء والحقائق، وكشف المغالطات حتى وإن كانت مغلّفة بمنطق زائف.

الخلاصة:
اتخاذ قرارات صحيحة ليس مسألة حظ أو حَدْس فقط، بل هو ثمرة تفكير نقدي منظّم ومتعقّل. فبفضل هذه المهارة، ننتقل من قرارات عشوائية أو عاطفية إلى قرارات مدروسة، مدعومة بالتحليل والمعرفة والاستقلالية.

كلما طوّرنا قدرتنا على التفكير النقدي، ارتقينا في جودة قراراتنا، وحققنا نتائج أفضل في حياتنا الشخصية والمهنية.

عبير علي الغامدي

باحثة في التفكير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى