المقالات

مرحلة المهارات وليس الشهادات!!

إن الأيام التي كانت شهادة الدكتوراه أو الدراسات العليا ترفع صاحبها ماليًّا واجتماعيًّا قد ولَّت… اليوم تُدفع الأثمان لأصحاب المهارات لا أصحاب الشهادات.

فالورق لا يُطعم خبزًا إن لم يتحوَّل إلى فكرة تُنفَّذ، وخبرة تُتقن، وقيمة تُضاف، ومنتَج يُسوَّق. ليس أمامك إلا أن تكون أكبر من شهادتك… أو تبقى حبيسها!

ما سبق هو اقتباس من بعض أقوال الخبير في المجال التربوي والفكري السوري الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار، حول أهمية المواهب والمهارات لسوق العمل في الوقت الحاضر.

في دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد بالتعاون مع مؤسسة كارنيجي، ومركز أبحاث جامعة ستانفورد الأمريكية، خلصت إلى أن نحو 85% من النجاح الوظيفي يأتي من امتلاك مهارات شخصية متطورة، بينما 15% فقط يأتي من المهارات المعرفية.

نعم، هناك شعور في وقتنا الحاضر بأن الدرجات العلمية العالية مثل الماجستير والدكتوراه لم تعد تحظى بنفس الوهج والتقدير الذي كانت تناله في الماضي، حتى إن العديد ممن يحملون هذه الدرجات أُصيبوا بالإحباط، بسبب تعلقهم بنظرة المجتمع القديمة لحاملي المؤهلات العالية، وانتظارهم من المجتمع والمؤسسات أن تُغدق عليهم الأموال لمجرد حملهم لهذه المؤهلات، بينما غاب عنهم تمامًا ذلك التسارع العجيب والرهيب الذي يشهده العالم من حولهم، بما في ذلك اقتناص الفرص، الذي بات من نصيب الأكثر مهارة ولو بأقل مؤهل.

وقد يعود السبب في ذلك إلى عدة عوامل، منها زيادة أعداد الحاصلين على هذه الدرجات، والتوسع في التعليم العالي خلال العقدين الماضيين، حتى بات الحصول على الماجستير أو الدكتوراه أمرًا معتادًا وأكثر شيوعًا، مما أدى إلى انخفاض قيمتها النسبية في بعض الأوساط.

وفي بعض الأحيان، قد لا تتناسب متطلبات سوق العمل مع المعارف والمهارات المكتسبة من خلال هذه الدرجات العلمية، مما يجعل أصحابها يواجهون صعوبة في إيجاد وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم. فالتغير السريع في التكنولوجيا في وقتنا الحاضر أدى إلى تغيير طبيعة العديد من الوظائف، مما يتطلب مهارات ومعارف مختلفة عن تلك التي يتم اكتسابها عادة في برامج الماجستير والدكتوراه التقليدية.

وكان أيضًا لظهور مسارات مهنية بديلة دورٌ في ذلك، حيث نتج عنه اتجاه متزايد نحو المسارات التي لا تتطلب بالضرورة الحصول على درجات علمية عالية، مثل العمل الحر، أو اكتساب مهارات محددة من خلال الدورات التدريبية.

كما أن تكلفة الحصول على هذه الدرجات، خاصة في الجامعات العالمية المرموقة، مرتفعة جدًّا، لذلك يرى بعض الأشخاص أن العائد المادي منها لا يستحق هذه التكلفة العالية، خاصة مع وجود بدائل أخرى بأقل مؤهل، ولا تتطلب جهدًا ولا مالًا ولا وقتًا كبيرًا.

النتيجة: نعم، هناك تراجع واضح في وهج درجتي الماجستير والدكتوراه عمَّا كانتا عليه قبل عقود، لكنهما لا تزالان مهمتين في بعض المجالات، خاصة الأكاديمية والبحثية، لذلك ينبغي على الأفراد تقييم احتياجاتهم وأهدافهم المهنية مسبقًا قبل اتخاذ قرار الحصول على هذه الدرجات العلمية العالية.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نعم دكتورنا الفاضل هذا حق وصدق وواقع مجتمعنا الآن حيث أصبحت المهارات مفاتيح الوظائف والمناصب. جزاكم الله خيراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى