كتاب ممتع القراءة، سلس الأسلوب، به الكثير من القصص المسلية، عنوانه “العاشرة والنص عصرًا.. رحلة إنجليزي من عنيزة إلى مكة”، مؤلفه البريطاني جيمس بد، والذي أصبح اسمه بعد إسلامه يوسف.
قدم إلى عنيزة وعمره ثلاثة وعشرون عامًا، وعمل مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية بعنيزة خلال الفترة 1965م–1970م. وخلال تلك الفترة لم يكن مجرد معلم، بل اندمج بأهالي عنيزة وأصبح واحدًا منهم، أحب الناس فأحبوه، وعشق الأرض فاحتوته.
يحمل الكتاب عنوان “العاشرة والنصف عصرًا”، لأن أهالي عنيزة في ذلك الوقت كانوا يوقّتون بالتوقيت الغروبي، وكانت الساعة العاشرة والنصف عصرًا هي الموعد الذي يخرج فيه الناس قبل الغروب للالتقاء بالأصدقاء.
وعن الكتاب يقول مقدّمه الدكتور إبراهيم التركي:
“إنه رواية توثيقية لمسار شخصي وثقافي وإنساني، قام بتأليفه شخصٌ نابهٌ غادر بلاده، ولم تمنعه حداثة سنه أن يعتمر الشظف، وقد اعتاد الترف، فيسكن الطين، ويسير في الظلماء، ويفتقد السرير الوثير، ومحطة التلفزيون الأثيرة، ودورة المياه المرتبة، ليعيش في عنيزة.”
تتقاطع مشاهد الحياة اليومية في عنيزة مع الروح الطيبة والمتواضعة للكاتب، ليقدّم لنا كتابًا جميلًا زادته جمالًا وتنظيمًا الترجمة الممتازة للدكتور جاسر بن عبد الرحمن الجاسر.
من المشاهد الأولى لرحلته عام 1965م، يقول المؤلف:
“إنه حُشر مع الأساتذة الآخرين في حافلة – كما يروي – تثقب عجلتها، فيأكلهم الذباب في الطريق”،
وحتى آخر مشهد، حين غادر عنيزة بعد حرب 1967م بين العرب وإسرائيل.
عنيزة التي وصل إليها الكاتب قبل خمسة وخمسين عامًا، كانت تعيش حياة بدائية جدًا. يقول المؤلف عنها:
“لم يكن فيها فرق بين الشاب والكهل، إلا في لون الشعر وبعض التجاعيد، وإن صحة الناس فيها كانت ممتازة.”
وعندما عاد إليها في عام 2011م، وجدها كما يقول ضحية ثروة أو ثورة الغذاء العالمي السريع، فمن كان نحيفًا صار بدينًا جدًا.
ويقول الكاتب عن سبب ذهابه إلى هناك:
“لقد شدّني الواقع في العالم العربي منذ سفري مع والدي وأختي إلى المغرب، حينما كنت تلميذًا، وعلمت أن الكاتب الأمريكي اللبناني الأصل “أمين الريحاني”، الذي قام برحلات مكثفة إلى السعودية في عشرينيات القرن الماضي، قال في تعليقه على عنيزة إنها “باريس نجد”، وإنه سمع فيها العديد من اللغات المختلفة منها الإنجليزية والفرنسية والهندية، إضافة إلى اللهجات العربية.”
شارك، وهو مدرس للغة الإنجليزية بثانوية عنيزة، في رحلات الطلاب للصحاري المحيطة، واستمتع بالفنون الشعبية التي كان يؤديها طلاب المدرسة ورجال عنيزة، مثل فن الحوطي، والناقوز، والسامري، وأصبح قادرًا على تذوق الشعر النبطي.
استطاب أكلات المطازيز، والمرقوق، والقرصان، لكنه – لسبب غير واضح – لم يستطب الجريش.
أكل لحم الضب، وذكر أنه كان شهيًا لذيذًا، لحمه أسود ومطاطي المضغ.
أسلوبه في تصوير مجتمعه المدرسي طريف وذكي، ولا يخلو من نقد مهذّب، إذ يتحدث عن أحد زملائه في المدرسة وتصرفاته بطريقة ترشّحه ليكون أحد أبطال حلقة من مسلسل “طاش ما طاش”.
تعرّف الرجل على الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الذي استزاره، وحاول بأسلوب لطيف إقناعه باعتناق الإسلام، لكنه لم يكن جاهزًا حينها، ويعلّق قائلًا إن الشيخ سيسرّ لو علم بأنه قد أسلم لاحقًا.
زار عنيزة مجددًا عام 2011م، فوجد بين تلامذته من أصبح وزيرًا، وطاف على الأماكن التي أحبها، وعلى الناس الذين بقي ودادهم في نفسه، وشعر بانسجام وكأنه لم ينقطع عنهم سوى يوم أو يومين.
رصد التغيرات التي مرت بها المدينة، ولاحظ أنه بينما كان من النادر في الماضي أن ترى أحدًا يلبس العقال، فقد أصبح من النادر الآن أن ترى من لا يلبسه، كما ازدحمت المدينة بالمطاعم، بعضها يجعلك تحس أنك في باريس، وبعضها الآخر يجعلك تتمنى لو كنت في باريس.
وفي الختام، يقول المؤلف:
“عنيزة حافظت على حميمية وبساطة الجو الاجتماعي الذي اتصفت به، حينما كانت أقل من خمس حجمها الحالي.”.


