
في لحظة غير اعتيادية، اختارت أمانة العاصمة المقدسة أن تكسر الإطار الرسمي المعتاد، وتخاطب سكان مكة وزوّارها بسؤالٍ صغير، لكنه ثقيل الأثر: “ليه؟”
كلمة واحدة، بثلاثة حروف فقط، لكنها قالت كل شيء… دون أن تشرح شيئًا.
لم تكن حملة دعائية تقليدية، ولا شعارًا بروتوكوليًا جافًا. بل كانت ومضة شعورية، مرآة عاكسة، وسؤالًا مفتوحًا على اتساع المشهد، يضع كل من يراه أمام نفسه. لماذا ترمي الأوساخ في غير موضعها؟ لماذا تشوّه هذا المكان الطاهر؟ لماذا نخذل مكة، ونحن نعيش في ظلها أو نزورها حبًا وتعظيمًا؟
“ليه؟”
ليست مجرد كلمة… إنها وخزة ضمير، تطرق على أبواب القلب، لا العقول فقط.
تترك للمتلقي مساحة للتأمل، لا التبرير.
تستفز فيه الغيرة، لا الدفاع.
تخاطب وجدانه قبل أن تحاكم سلوكه.
في زمنٍ امتلأ بالشعارات المزدحمة، والألفاظ المنمقة، جاءت هذه الحملة لتقدّم درسًا في الاتّصال الإنساني العميق: لا حاجة للمبالغة حين تكون الرسالة صادقة. لا حاجة للتفسير عندما يكون السؤال أبلغ من الجواب.
وهنا تبرز شجاعة أمانة العاصمة المقدسة. شجاعة في الخروج عن “النمط”، وكسر الجمود، وإعادة صياغة العلاقة مع الجمهور بأسلوب جديد، لا يخلو من الذكاء، ولا ينقصه الاحترام.
من “ليه؟” إلى “أنا المسؤول”
ليست هذه الحملة مجرد سؤالٍ بلاغي، بل دعوة مفتوحة للتحوّل: من مشاهد سلبي إلى فاعل، من متفرّج على الأخطاء إلى شريك في التصحيح.
إنها تضع المواطن والمقيم والزائر في موقع المسؤولية، لا موقع اللوم.
تدعوه لأن يكون حارسًا على نقاء المكان، لا عابرًا على خطاياه.
مكة، ليست كغيرها. و”ليه؟” ليست كأي حملة.
هي بداية لهوية تواصلية جديدة، تليق بعظمة المدينة، وبوعي أهلها وزوارها.
هي استدعاء لصوت الداخل، قبل أن يكون صوت الأمانة.
حين تتحوّل الجهات من ناطقة بالقرارات إلى ناطقة بضمير المجتمع، فإننا نكون أمام لحظة مفصلية في تاريخ العمل البلدي والاتصالي و”ليه؟” كانت تلك اللحظة.






