الطائف بين لغة الجمال ومسؤولية القرار

شاعرة وناقدة وأكاديمية

لم تكن الطائف يومًا مدينة عابرة في الوجدان والذاكرة، بل هي مدينة تتنفس عراقة المكان، وعمق التأريخ،وأصالة الإبداع، فمن جغرافيتها المتنوعة يفوح عبق الورد،ومن خلفيتها الأدبية والثقافية ينساب الإبداع والأدب، ومن ثقلها المعرفي تصدّرت في مجالات العلم والبحث والأدب والموهبة والاقتصاد والصحة والسياحة والرياضة والفروسية وغيرها.
نعلم أن المدن العظيمة في تاريخ الأمم والحضارات لا تُقاس بما تملكه من مكتسبات، بل بالوعي العميق بقيمتها الإنسانية والحضارية.
إن الطائف، بتاريخها الممتد من سوق عكاظ إلى مشروعات النهضة التنموية، لم تلتزم الصمت تجاه أي حدث يمسّ سلامة الإنسان أو هيبة المكان، وقد أثبتت هذه المدينة المبدعة يقظتها الفاعلة، حين وقعت حادثة مؤسفة في أحد منتجعاتها السياحية، فكان القرار فوريّا من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نهار محافظ الطائف- حفظه الله- حيث أصدر قرارًا عاجلاً بإغلاق المنشأة التي وقعت فيها الحادثة، والتحقيق فيها ،كما وجه سموه بإعادة تقييم شامل لكل مرافق الترفيه تحت إشراف الجهات المعنية.
كان ذلك الموقف تجسيدًا واضحًا لمفهوم “المواطنة المؤسسية” حيث لا مجاملة فيما يخص الإنسان وحياته، والمكان وهيبته.
إن المتابع المنصف يلحظ ما تشهده هذه المدينة العريقة خلال السنوات الأخيرة من تحول نوعيّ، فقد تصدّرت مشهد المدن السعودية في مجالات السياحة والثقافة والصحة، وأصبحت مسرحًا حيويًا للمهرجانات الكبرى: من مهرجان الورد الطائفي، إلى مهرجان الفواكه والعسل ، ومهرجانات الفروسية والهجن، وسوق عكاظ ، ومنه إلى الحراك الأدبي الواسع الذي تقوده جمعيات أدبية وفنية، مثل سفراء جمعية الأدب المهنية، وجمعية أدبي الطائف ، وجمعية الثقافة والفنون، ونادي كفاءات، والشريك الأدبي وغيرها.
ولذلك لم يكن مستغربًا أن تُمنح الطائف شرف أن تكون أول مدينة سعودية تُدرج ضمن شبكة اليونسكو للمدن المبدعة في مجال الأدب، فهذا الاعتراف العالمي لم يأتِ من فراغ ، ولم يكن مصادفة، بل تتويجًا لتاريخ عريق ممتد،وحراكٍ أدبي وثقافي نابض بالحياة. كما أن الطائف نالت اعتماد منظمة الصحة العالمية مدينةً صحية.
وفي كل هذه المنجزات الكبيرة إشارة صريحة على أنها لا تقف عند عراقة تاريخها وموروثها وطبيعتها المخملية، بل تسعى للحفاظ على تلك الهوية التي تتناغم مع الاستدامة وجودة الحياة في ظل رؤية ٢٠٣٠.