الشاعر عبد الوهاب البياتي، شاعر عراقي وُلد في بغداد عام 1920م، يُعرف بلقب “شاعر الغربة”، لأنه عاش جزءًا من حياته في المنفى متنقلًا بين دول مختلفة، وقد انعكس ذلك بوضوح على شعره وموضوعاته. فقد رصد تجربة الغربة بكل أشكالها وأبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية، وحمل في المنفى وطنه في قصائده.
يُعد البياتي من أبرز الشعراء العرب الذين أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي في العصر الحديث، ومن رواد الشعر الحر في العراق، إلى جانب الشاعرة العراقية نازك الملائكة، والشاعر بدر شاكر السيّاب.
تلقّى علومه في كلية دار المعلمين ببغداد، وتخرج فيها عام 1950م حاملًا شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، ثم عمل بعد تخرجه مدرسًا في المدارس الثانوية العراقية، قبل أن ينخرط في مجال الأدب والشعر والكتابة.
هاجر من العراق إلى عدد من الدول العربية، منها الكويت، والبحرين، وسوريا، ولبنان، ومصر. تنقل البياتي كثيرًا، وجعل من المنفى محطة دائمة في حياته.
أقام في الاتحاد السوفيتي سابقًا بين عامي 1959م و1964م، حيث عمل أستاذًا في جامعة موسكو، وباحثًا في معهد شعوب آسيا، كما زار بلدانًا أوروبية عديدة.
تم سحب جنسيته العراقية عام 1963م بعد الإطاحة بنظام عبد الكريم قاسم من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي، فاستقر بعدها في القاهرة، ثم انتقل إلى إسبانيا، حيث تُرجمت كتبه ودواوينه، وانتشر اسمه في المشهد الأدبي الإسباني في تلك الفترة.
تميّز البياتي بتجربة شعرية فريدة، مزجت بين الحداثة والتراث الصوفي والأسطوري، وعكست تجربته الشعرية قضايا متعددة، أبرزها: الحرية، والمنفى، والإنسان. كما حملت قصائده طابعًا سياسيًا وإنسانيًا، وتمت ترجمة أعماله إلى عدة لغات أجنبية. ومن أبرز دواوينه الشعرية: “أشعار في المنفى”، و**“بكائية إلى شمس حزيران”، و“البحر بعيد.. أسمعه يتنهد”**.
ومن بين أجمل ما نظمه، قصيدة “عذاب الحلاج” التي تتجلى فيها تجربته الواعية وتفاعله مع مجتمعه المعاصر. كما تُعد قصيدة “الموت والقنديل” من القصائد البارزة في أدبه، بالإضافة إلى قصيدة “هند وأمها”، التي تُعد من أجمل ما نظم بأسلوب فريد ومتميز.
عاش البياتي سنواته الأخيرة متنقلًا بين الأردن، وأمريكا، وسوريا، ولم تتحقق أمنيته بأن يموت على شاطئ دجلة، فلفظ أنفاسه الأخيرة على شاطئ بردى في مدينة دمشق، يوم الثالث من أغسطس عام 1999م، عن عمر ناهز 73 عامًا، قضى أغلبها في المنافي.
جمعت البياتي علاقات أدبية واسعة بشعراء كبار، منهم: نزار قباني من سوريا، ومحمد الفيتوري من السودان، ومحمود درويش من فلسطين، وغيرهم من أعلام الشعر العربي. كما جمعته صداقة مع الشاعر الإسباني الشهير رفائيل ألبرتي، أحد آخر شعراء “جيل العظام” في إسبانيا.
ترك البياتي بعد وفاته إرثًا أدبيًا وشعريًا غنيًا، وأسهم في جعل الشعر العربي الحديث جسرًا للتواصل بين الحضارات والثقافات العالمية.


