كتبتُ ذات يوم عن جازان وأهلها ، عن مثقفيها ، وشعرائها ، وأدبائها ، عن جمالها وخيراتها. واليوم أعود للكتابة عن هذه المنطقة الغالية . فما بين جبالها الخضراء وجزرها الفيروزية ، وما بين مزارع المانجو وبنِّها الخولاني ، وعسلها وفتوتها ومغشها ، قصة عظيمة لا بد أن تُروى .
احترتُ في اختيار البداية.. أأبدأ بجبال فيفا الشهيرة بمدرجاتها الخضراء البهية ، أم بجزيرة فرسان ذات الشواطئ الرملية الناعمة والمياه الصافية والشعاب المرجانية ، أم بخيراتها الزراعية حيث أشهى ثمار المانجو وأطيب العسل والبن الخولاني ؟ كل جانب من تلك الجماليات يضعك أمام لوحة متكاملة لا ينقصها إبداع .
ما دعاني للكتابة مرة أخرى عن جازان ، هو ذلك المشهد المؤثر أثناء حفل تكريم “رواد التأثير”، الذي رعاه سمو الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير ، عندما احتضن الدكتور أحمد علوش والدته ، مُصرًّا على أن تُكرَّم مكانه .
قد يبدو الأمر عاديًا وقد يحدث في مناسبات أخرى ، لكن حين نعلم أن تلك الأم باعت ذهبها – الذي ربما احتفظت بينه بقطع لها مكانة عاطفية تفوق قيمتها المادية – كي يكمل ابنها دراسته حتى حصوله على درجة الدكتوراه ، بعدما كان يعمل حارس أمن ، حينها يصبح الخبر أعمق وأعظم من أي خبر آخر يتداوله الناس . ويُسجَّل عملها هذا ضمن الأعمال الجليلة التي يفخر بها السعوديون جميعًا .
لم يخطئ هذا الابن الشهم حين قرر أن يكون التكريم لوالدته ، التي كانت له السند والداعم والمؤثر، فانتقل من وظيفة بسيطة إلى مقاعد الدراسة ، وتجاوز مراحلها وصعوباتها ، متغلبًا على ظروف أسرته ، ليحقق طموح والدته ، ويصبح أستاذًا في إحدى الجامعات السعودية المرموقة .
لم تكتفِ جازان بما تملكه من طبيعة خلابة ، ورجال أكفاء ، وشعراء وأدباء وكتاب وفنانين تجاوز إبداعهم حدود الوطن ، بل قدّمت لنا أيضًا أمًا عظيمة نفتخر بها ونعتز بعزيمتها ، ونصفق تقديراً لتضحياتها . وقد صدق من قال ، أن الأم جسر النجاح ، ومنبع الصبر ، وعماد الأسرة . ولكم تحياتي

