المقالات

الأحساء بين المكان والإنسان

قبل أيام جمعتني جلسة مع صديق قديم عاد إلى الأحساء بعد سنوات من الغياب. كنت أظن أنه سيتحدث عن التطور الكبير الذي شهدته، عن معالمها التاريخية، أو أسواقها العتيقة، أو نخيلها الممتد كالبحر بلا نهاية. لكن المفاجأة أن كل ذلك لم يكن ما شدَّه هذه المرة. قال لي بهدوء: من يعيش في الأحساء، يعيش في طمأنينة نفسية نادرة، كأنه يجد شيئًا ضاع منه في مكان آخر.

تأملت عبارته العميقة، فمضى يتحدث: أهل الأحساء لا يسألونك من أين جئت ولا كم ستبقى، فهم يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم، ويعاملونك كأنك واحد منهم. حتى في أبسط التفاصيل، كالسلام بعد الصلاة في المسجد، لا يكون سلامًا عابرًا، بل دافئًا، حقيقيًا، يجعلك تشعر أنك فرد في أسرة كبيرة.

كانت كلماته بالنسبة لي قوية لامست مشاعري، لأنه قالها بكل تجرد من المجاملة، فبدت صادقة حد الإقناع.

حاولت أن أذكّره بأن كرم السعوديين وشهامتهم وطيبتهم سمة في كل مدن الوطن، فأكد ذلك، لكنه أضاف: في الأحساء يختلف الأمر؛ هنا السلام يحمل روح المكان، ويزرع فيك راحة لا تستطيع وصفها، كأنها هدية خفية يتركها أهلها في قلبك.

حينها أدركت أن سرّ الأحساء ليس فقط تاريخها الممتد، ولا ثقافتها الأصيلة، ولا خيراتها الوفيرة، بل هو إنسانها… ذلك الإنسان البسيط بطيبته، الوفي بعلاقاته، الذي يختصر معنى الانتماء، ويجعل الزائر يغادر وهو يحمل شيئًا من دفء الأرض وأهلها.

الأحساء ليست مجرد مكان يُزار، بل تجربة تُعاش، وطمأنينة تُحس، وذاكرة تبقى حيّة في القلب مهما ابتعد الجسد.

ولكم تحياتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى