
دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام، وظل يبصّرهم بشرائعه في مكة ثلاثة عشر عامًا، كما عرض دعوته على القبائل؛ لعل أحدًا يؤمن بها ويؤازرها، وقد تحمّل خلالها وأصحابه الأذى الشديد من كفار قريش.
أُذِن للمستضعفين من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فرارًا بدينهم. وبعد ذلك، وقعت بيعتا العقبة مع أهل يثرب، فأسلم جماعة من الأوس والخزرج، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم، وتعهدوا بحمايته.
وبعد أن أتم دعوته في مكة وصار لها أنصار في المدينة، اجتمع كفار قريش بدار الندوة يتآمرون لقتله، فنزل قوله تعالى: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك…﴾ [الأنفال: 30].
وبدأ الإعداد للهجرة سرًا. جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار أبي بكر رضي الله عنه في وقت غير معتاد، في حر الظهيرة، وقال له: “لقد أُذن لي بالخروج من مكة”. فقال أبو بكر: “الصحبة يا رسول الله؟” قال: “نعم”. فبكى أبو بكر من الفرح.
جهز الصديق رضي الله عنه راحلتين، واستأجر عبد الله بن أريقط لأنه كان خبيرًا بالطرق، وتم الاتفاق على أن يلتقي بهم بعد ثلاث ليال. وفي الليلة نفسها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يبيت في فراشه، ليرد الأمانات التي كانت عنده، إذ كانوا يأتمنونه رغم كفرهم بدعوته.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ليلًا وسلكا طريقًا جنوب مكة إلى غار ثور، خلافًا للطريق المعتاد للمدينة. وكانت أسماء بنت أبي بكر تقوم بجلب الطعام، وعبد الله بن أبي بكر ينقل الأخبار، فيما كان عامر بن فهيرة يرعى الغنم ليمحو آثارهم.
وصل كفار قريش إلى فم الغار حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: “لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”
بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن أريقط بالراحلتين، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة. وفي الطريق لحقهم سراقة بن مالك طمعًا في الجائزة (مائة ناقة)، فلما اقترب ساخت فرسه في الأرض، فعلم أنهما محفوظان، فطلب الدعاء له، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم.
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت مجدبة، لا طعام فيها. فرأى النبي صلى الله عليه وسلم شاة هزيلة لا تدر لبنًا، فمسح على ضرعها فدر اللبن وشربوا جميعًا.
وصل صلى الله عليه وسلم إلى أطراف المدينة يوم الاثنين في ربيع الأول، ونزل بقباء عند بني عمرو بن عوف، فأسس مسجد قباء أول مسجد أُسس على التقوى. كما أُقيمت أول صلاة جمعة في الإسلام في وادي رانوناء أثناء انتقاله إلى المدينة.
ثم طلب النبي صلى الله عليه وسلم شراء أرض لبناء المسجد النبوي، فأبى بنو النجار أخذ الثمن، فشرع هو وأصحابه في البناء مرددين: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة”
وبالهجرة النبوية بدأت مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية، الحدث الذي غيّر مجرى التاريخ.



