تُسبّب الحوادث المرورية الكثير من الكوارث المفجعة، من نتيجتها تدمير الأسر، وإعاقة الأفراد، ناهيك عن التكاليف الباهظة لعلاجها على مستوى الأفراد والمجتمع.
وبالنظر إلى الدول التي سجّلت أعلى معدلات وفيات بسبب الحوادث المرورية، نجد أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى عالميًا بمعدل 73.4 وفاة لكل 100 ألف نسمة، وفقًا لتقرير سابق، تليها دول أخرى مثل الهند والبرازيل، والعديد من الدول الإفريقية والآسيوية. وغالبًا ما تكون الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط أكثر عرضة لزيادة حوادث المرور والوفيات الناتجة عنها.
في المملكة، أظهر تقرير عن معدلات الحوادث انخفاضًا حادًا بنسبة تقارب 50% في الوفيات المرتبطة بحوادث المرور لعام 2025م، ويعود ذلك لكثير من الإجراءات التي اتخذتها الدولة، منها إصدار العديد من الإرشادات والقوانين والغرامات، إلى جانب تطوير شبكة طرق عالمية المستوى، لتحتل المملكة المركز الرابع في جودة الطرق بين دول مجموعة العشرين.
وأشار التقرير إلى أن عدد الوفيات بسبب الحوادث المرورية في المملكة انخفض من 28.8 حالة لكل مئة ألف شخص عام 2016م إلى 13 حالة لكل مئة ألف شخص، مع استمرار هذا الانخفاض في العام الحالي. ويُلاحظ أن السرعة تمثل العامل الرئيس في وقوع الحوادث على الطرق في المملكة، إذ تعزى إليها أكثر من ثلث الحوادث، يليها قطع الإشارات المرورية، والتجاوز، والدوران الخاطئ.
إن وقوع الحوادث المرورية غالبًا ما يُعزى إلى ثلاثة أسباب رئيسة: قائد المركبة، والبيئة المحيطة، وصيانة المركبة.
• فقائد المركبة يجب أن يكون مؤهلًا من حيث السن القانوني، وحصوله على رخصة القيادة، ومعرفته بقوانين السير والإشارات المرورية وقوانين المشاة.
• كما يجب الاعتناء بالبيئة المحيطة بالمركبة، ويقصد بها الطرقات وتخطيطها وفق المواصفات العالمية، وحالة الإشارات المرورية.
• وأخيرًا، المركبة نفسها يجب الاعتناء بها خارجيًا وداخليًا، مع فحص الكوابح والإطارات والإضاءات الأمامية والخلفية، وعدم السماح لها بالسير إلا إذا استوفت هذه الشروط.
والعجيب أنه قبل ما يقارب خمسين عامًا، كنت طفلًا بجانب والدي – رحمه الله – وهو يقود مركبته المفضلة في تلك الفترة (ونيت أبو غمارتين) من جدة إلى مكة. وكان الوقت عند الغروب، وعند اقترابنا من نقطة مرور الشميسي القديم لم يسمح لنا جندي المرور بمواصلة السير لأن إحدى الإضاءات الخلفية لا تعمل. شرح لنا قائلًا: “إن سائق المركبة خلفكم قد يتعامل معكم كما لو كان الذي أمامه دراجة نارية.”
ونشاهد اليوم – وللأسف – بعض المركبات تجوب الشوارع بلا أي إضاءات لا أمامية ولا خلفية.
حتى المجتمع يجب أن يكون له دور في الحد من الحوادث، وذلك عبر التبليغ عن أي مخالفة مرورية تُشاهد. ولا يزال في ذاكرتي موقف أثناء دراستي للدكتوراه في بريطانيا، إذ كنت حديث عهد بنظام المرور هناك، وارتكبت مخالفة باستخدام مخرج خاص بسيارات الشرطة بدلًا من المخارج العامة للمركبات. فما كان من السائقين الآخرين إلا أن أبلغوا عني، ليقوم شرطي المرور بإيقافي وتسجيل غرامة مالية عليّ. كان ذلك الموقف كافيًا لأتجنب أي مخالفة مرورية حتى نهاية بعثتي الدراسية، ولله الحمد.

ختامًا، نثمّن مبادرة صحيفة مكة بإطلاق حملة #قيادتك_وعي، التي تُبرز دور الإعلام الوطني في خدمة المجتمع، وتعكس التزامه بتعزيز الوعي والمسؤولية المشتركة لحماية الأرواح وصون المكتسبات.


