المقالات

يوم الوطن .. دهر

عندما يحتفل الشعب السعودي بيوم الوطن فهو لا يحتفل بذكرى استقلال من احتلال، أو وطن بُني باتفاقية أو معاهدة، أو بقيادة جاءت على ظهر دبابة أو فرض محتل!!
وإنما يحتفل بميلاد أمة وتوحيد وطن وبناء مجد، ورفع راية رفعت قبل 1447 سنة على الكتاب والسنة والعقيدة السمحة!

إن احتفال الشعب السعودي بيوم وطنه ليس كأي احتفال على هذا الكوكب، وإنما هو استذكار قصة لم تُروَ جميع فصولها، واستذكار تاريخ لم تُكتب جميع صفحاته، ولا يزال للأجيال القادمة ما تكتبه وترويه!
هذا الاحتفال يجسد بناء وطن هدمته الفرقة والتشتت والتناحر، وجمع شمل فرقته العصبية والقبلية، وردم فجوة صنعها الفقر والجهل!

إن هذا الاحتفال يعيد للأذهان تلك الهمم العظيمة، وتلك السواعد القوية، والقلوب المؤمنة بتحقيق وعد العز والتمكين:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: 55].

هذا الوعد الرباني كان على موعد مع صفوة من خلقه، اختارهم الله عز وجل للحكم والتمكين، بعد أن عمّ الخوف والجهل والفقر والبدع والخرافات والشركيات جزيرة العرب، وأصبح الحرمان الشريفان وقاصدوهما من الحجاج والمعتمرين يعانون من فقد الأمن وكثرة حوادث النهب والسلب، حتى سادت المقولة المشهورة: (الذاهب لهما مفقود والعائد منهما مولود).

في هذا الوضع المتأزم قيّض الله لهذه الأمة وللحرمين الشريفين رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ من نشر دينه، وإعلاء كلمته، ونصرة الحق، ومحاربة الضلال والفساد والجهل والفقر. فكان عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي كان يقضي أيامه ولياليه بصحبة والده في الكويت، وهو يرى بعين الحكيم الحصيف أن مخاضًا على وشك أن يتم، وولادة قد اقترب أوانها. فانطلق الركب الميمون من الكويت متوجهًا إلى الرياض، وكأنها تناديه بشوق ولهفة من طول الفراق!

وصل عبدالعزيز ورجاله الستون إلى الرياض، فاستقبلتهم كما يستقبل العشاق لقاءً أنهكهم البعد وأضناهم الفراق. وفي ليلة ظلماء طال سوادها، أنبلج ذلك الصباح على صوت المنادي: الحكم لله ثم لعبدالعزيز!

ومنذ ذلك اليوم ولدت الأمة، وأشرقت شمس التوحيد والتجديد والتأكيد:
• التوحيد: انطلقت راية التوحيد لتلمّ شمل الوطن شماله بجنوبه وشرقه بغربه ووسطه، في أكبر ملحمة وطنية يشهدها العصر الحديث، في مسيرة كفاح استمرت أكثر من ثلاثة عقود.
• التجديد: كما ورد في الحديث، أن الله يبعث على رأس كل قرن لهذه الأمة من يجدد لها دينها، ويعيد تصويب ما انعوج، وإصلاح ما انكسر. فعاد الدين الإسلامي الصافي الوسطي، الخالي من البدع والخرافات، وزالت الأحقاد والثارات والنعرات، واجتمع شمل الوطن على الركائز الثلاث: عقيدة صافية، وقيادة وطنية، وشعب مخلص وفيّ.
• التأكيد: على أن هذه اللحمة الوطنية والهوية السعودية خالدة في نفوس الشعب، لا يزعزعها كائد أو حاسد أو متربص، لتبقى صخرة تتحطم عليها كل مشاريع الفرقة والحسد وبثّ الفتن.

هذا هو احتفال الشعب السعودي بيوم الوطن، يوم العز والمجد والبناء والازدهار، ليستذكر ملحمة توحيد الوطن على يد المؤسس – طيّب الله ثراه – ثم ملحمة البناء في عهد الملوك سعود، فيصل، خالد، فهد، وعبدالله – رحمهم الله جميعًا.

واليوم نحتفل باليوم الـ95 لتوحيد هذه البلاد المباركة، في عهد الإمام المجدد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعضده وسنده الأمير محمد بن سلمان، عرّاب رؤية 2030 التي رفعت راية التوحيد فوق هام السحب، وعلى قمم المجد والتقدم والازدهار.

إن اليوم الوطني السعودي ليس مناسبة يحتفل بها الشعب السعودي فحسب، بل مناسبة يحتفل بها العالم كله بهذه الدولة التي أقامت نظامًا عالميًا للأمن والسلام، وأرست دعائم التعايش السلمي بين الشعوب والثقافات، وسخّرت ما وهبها الله من خيرات لخدمة شعبها والإنسانية جمعاء، حتى أن ما يقارب 5% من ناتجها المحلي يتجه لخدمة الإنسانية دون تمييز بين دين أو مذهب أو موقف سياسي.

كيف لا يحتفل العالم بيومنا الوطني وقد أصبح الحاج يأتي من أقاصي الأرض لا يحمل إلا حقيبة يده، لتسخّر له هذه البلاد كل إمكاناتها من خدمات صحية وغذائية وأمنية وإرشادية لم يشهدها الحرمان الشريفان من قبل؟
كيف لا يحتفل العالم بيومنا الوطني وهذه البلاد المباركة أصبحت حمامة سلام تنشر الأمن في كل مكان، وتجمع الفرقاء، وتتوسط في النزاعات، وتطفئ الصراعات، حتى غدت موئلًا لكل خائف ومظلوم وجائع ومحروم؟
كيف لا يحتفل العالم بيومنا الوطني وقد جمعت المملكة العالم من أجل القدس والأقصى، لتعود الحقوق إلى أصحابها، تقديرًا لمكانتها وقادتها وشعبها الذي ينصت إليه الجميع اليوم من الرياض؟

إن الشعب السعودي وهو يحتفل بذكرى ميلاد أمته ودولته القوية الأبية، إنما يعبر عن فخره واعتزازه بما بناه الآباء والأجداد، ويؤكد عهده وبيعته بمواصلة المسيرة، مستشهدًا بقول شاعرنا:

لسنا وإن أحسابُنا كرمتْ يومًا على الأحساب نتكلُ
نبني كما كانت أوائلُنا تبني ونفعل فوق ما فعلوا

حفظ الله بلادنا المباركة، وحفظ قائد مسيرتنا وباني نهضتنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وقواتنا المسلحة الباسلة، وعيون أمننا الساهرة، وشعبنا السعودي الوفي الأبي.

• رئيس منتدى الخبرة السعودي
الكاتب والباحث في العلاقات الدولية

د. أحمد بن حسن الشهري

الكاتب والباحث في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى