المقالات

اليوم الوطني 95: وحدةٌ تصنع المجد، ورؤيةٌ ترسم المستقبل

حين تطل ذكرى توحيد المملكة العربية السعودية، تتجلى الحكاية الأبهى؛ حكاية وطنٍ وُلد من ضوء الرسالة، وامتد في آفاق التاريخ، ليعانق حاضرًا يفيض بالعز، ويستشرف مستقبلًا يزهر بالطموحات. ذكرى لا يحدّها زمان، تتجدد مع كل جيل، لتروي قصة وطن استثنائي صنع المجد بالأمس، ويعيشه اليوم نهضةً، ويعانقه غدًا وعدٌ مشرق لا يأفل.

ففي أرضٍ باركها الله بالوحي، وتفيّأت ظلال الرسالة، وارتفعت فوق رمالها راية التوحيد، وُلدت الحكاية العظمى؛ حكاية وطن لم يكن مجرد تجمّع بشري، بل مشروع رباني غُرس في القلوب قبل أن يرسو على الأرض، فصار موئلًا للعز، ومنارةً للنهضة، ومركزًا للإشعاع الحضاري.

وعند مطلع فجرٍ بعيد، ارتفع صوت الملك المؤسس عبدالعزيز – طيب الله ثراه – يدوِّي في الصحراء: “لن يجتمع هذا الشتات إلا تحت راية التوحيد”. ومن تلك اللحظة المشرقة انطلقت حكاية وطن لم تبدأ بحدودٍ جغرافية، بل بدأت بقلوبٍ آمنت، وسواعدٍ عملت، وأرضٍ استجابت لنداء الوحدة، فامتدت لتصنع للأجيال حاضرًا مشرقًا ومستقبلاً واعدًا.

وفي رحاب هذه البدايات، تشكّلت أركان الدولة، وارتسمت معالمها، لتصبح المملكة العربية السعودية نموذجًا للتلاحم والوحدة، وعنوانًا للثبات على المبادئ والقيم، وسجلًا حافلًا بالعزيمة والإصرار، الذي صنع التاريخ ورفع راية المجد عالية في سماء الأمة.

لم تكن قصة الوطن مجرد أحداث سياسية، بل كانت ملحمة إنسانية كبرى، صاغتها دماء الأبطال، وصبر الرجال، وعزيمة القادة، وإيمان شعب التحم بقيادته، حتى صنع أعظم وحدة في العصر الحديث.

واليوم، ونحن نحتفي بالذكرى الخامسة والتسعين، فإننا لا نحتفل برقم يضاف إلى صفحات الأيام، بل نحتفل بذاكرة متجددة وهوية متجذرة وروح متألقة، ومستقبل يتسع لأحلام الأجيال القادمة. وهنا يتجلى شعار الذكرى: “عزنا بطبعنا”، ليجسد روح الانتماء والفخر بالهوية.

إن اليوم الوطني ليس مناسبة عابرة ولا مهرجانًا زمنيًّا، بل هو محطة تتجدد فيها معاني الولاء والانتماء، وتتوهج فيها جذوة العزيمة والعطاء. يقف فيها كل مواطن أمام مرآة التاريخ، ليرى نفسه امتدادًا لأولئك الأبطال الذين وحّدوا الصفوف وصاغوا هوية وطن يفاخر به بين الأمم.

إنه يومٌ تتلاقى فيه قيم التضحية والإخلاص مع صفحات المجد، فتتوقد العزيمة من جديد، وتتجدد روح الوحدة خلف قيادة حكيمة جعلت من الطموحات واقعًا، ومن الرؤى مشاريع حية نابضة بالإنجاز.

واليوم، ونحن نعيش زمن التحول العظيم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – أيّده الله – نشهد مرحلة تاريخية فارقة تقودها رؤية السعودية 2030؛ رؤية فتحت آفاق التنمية الشاملة، ودفعت بعجلة الاقتصاد نحو التنويع والاستدامة، وأطلقت طاقات الشباب في ميادين العلم، والتقنية، والابتكار، والثقافة والرياضة، حتى غدت المملكة نموذجًا عالميًّا في النهضة والتنمية.

وما شعار اليوم الوطني الخامس والتسعين “عزنا بطبعنا” إلا تجسيدٌ لروح الانتماء والفخر بالهوية؛ فهو ليس مجرد كلمات عابرة، بل صورة صادقة لأصالة راسخة، ولشجاعة ووفاء وعزيمة لا تلين.

وفي هذا اليوم المشرق، ينبض قلب كل سعودي بحب وطنه، ويرى فيه البيت الكبير الذي يضم الجميع، والحصن المنيع الذي يحفظ الهوية، والميدان الرحب الذي تُرسم فيه ملامح المستقبل. ويكفي أن نرى طفلًا يرفع العلم في ساحة المدرسة أو شيخًا يستعيد ذكرى التوحيد بعين دامعة، لندرك أن الوطن يسكن القلوب قبل أن يسكن الأرض.

إن اليوم الوطني يومٌ تتجدد فيه قيم التضامن والتكافل، ويجدد فيه المواطنون عهد الولاء والطاعة، ويعاهدون وطنهم على أن يظلوا أوفياء، باذلين الغالي والنفيس في سبيل رفعته وكرامته.

ولعل أجمل ما يميز هذه الذكرى أنها تُظهر تلاحم القيادة بالشعب؛ فالقائد يرى في شعبه مصدر القوة، والشعب يرى في قيادته ملاذ الأمان. ومن هذا التلاحم وُلدت نهضة فريدة رسخت مكانة المملكة قوةً إقليمية وعالمية، تبني الجسور، وتقود المبادرات، وتدعو إلى السلام والاستقرار.

إن اليوم الوطني الخامس والتسعين ليس تاريخًا على ورق، بل حكاية أمة آمنت بالله، ووثقت بقيادتها، وتمسكت بعزيمتها حتى صنعت معجزة التوحيد والتنمية. ومع كل عام يمضي يزداد هذا الوطن مجدًا وقوة، وتتجدد فيه معاني الفخر والاعتزاز، ويظل يومه الوطني منارة تضيء دروب الأجيال، وتوجه الطاقات نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.

سائلين الله أن يحفظ المملكة وولاة أمرها، ويديم عليها الأمن والإيمان والرخاء، ويجعلها دار عز وتمكين، ويرفع راية التوحيد عالية خفّاقة بالمجد، ويوفق أبناءها وبناتها لكل ما فيه خير البلاد والعباد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى