المقالات

كتاب العوالم الثلاثة!!

كتاب من الحجم المتوسط، يقع في 464 صفحة، بعنوان: «العوالم الثلاثة – مذكّرات يهودي عربي»، لمؤلفه المؤرخ اليهودي من أصول عراقية أفي شلايم، أستاذ التاريخ الفخري في جامعة أكسفورد البريطانية، والصادر عام 2024م.

يصف المؤلف في كتابه العوالم الثلاثة البلدان التي عاش فيها وساهمت في تشكيل شخصيته، وهي على الترتيب: العراق، وإسرائيل، وبريطانيا.

يبدأ المؤلف بسرد المرحلة الأولى من حياته في بغداد، حيث نشأ في كنف أسرة مكوّنة من والدين يهوديين عراقيين، في بيتٍ يتحدث العربية ويعبّر عن عمق الثقافة العراقية، وينعم بازدهار البلاد آنذاك. ويؤكد شلايم أن يهود العراق كانوا عربًا في انتمائهم وثقافتهم.

لكن عائلته أُرغمت على مغادرة العراق إلى إسرائيل بعد عام 1950م، وهي المرحلة الثانية من العوالم الثلاثة. يصف فيها شعوره العميق بالفوارق الطبقية بين اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيين (السفارديم) القادمين من العالم العربي والإسلامي، إذ أبدت النخب الأشكنازية سلوكًا متعاليًا تجاه الشرقيين، وتعاملت معهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
يقول شلايم:

“كنت أشعر بحرجٍ شديدٍ من التحدث بالعربية في الحيّز العام، لأنها كانت تُعتبر لغة قبيحة وبدائية، ولغة الأعداء.”

ويروي حادثة وقعت في منتصف الخمسينيات حين كان مع أصدقائه، فاقترب منه والده يوسف وتحدث إليه بالعربية، فشعر شلايم بإحراجٍ بالغ لأن والده لم يتحدث معه بالعبرية التي كان لا يزال يجد صعوبة في تعلّمها. ثم أضاف بأسى:

“حين كنت طفلًا، لم أفكر أبدًا كم كانت تلك الحادثة مهينةً لوالدي.”

وفي القسم الثالث من الكتاب، يتناول المؤلف رحلته إلى عالمه الثالث بريطانيا، حيث أرسلته والدته مسعودة، ذات العزيمة القوية، لمتابعة دراسته بعد أن تراجع أداؤه في المدارس الإسرائيلية.
غادر شلايم إسرائيل في سبتمبر 1961م إلى بريطانيا، ولم يعد إليها ردحًا طويلًا من الزمن، وقد وصف رحيله قائلًا:

“غادرت أرض الميعاد دون أن ألتفت إلى الوراء.”

ويذكر شلايم أنه التقى في جامعة أكسفورد بزميلةٍ يهوديةٍ عراقية تُدعى ميراف حدّاد، شرحت له فترات الصمت الطويلة التي عاشها والده “يوسف”، مشيرةً إلى أن اليهود القادمين من الشرق كانوا يعيشون في بيئةٍ يهيمن عليها يهود أوروبيون لا يدركون عمق حضارة وادي الرافدين، بل ينظرون إليهم على أنهم متخلفون وغير متحضرين.

ويختم المؤلف قائلًا:

“في الواقع، وبعيدًا عن التعميم، يميل كثيرٌ من اليهود الغربيين إلى رؤية الثقافة العربية من منظور العنف والأسى السائدين في بعض تلك البلدان، ولا يعبر موقفهم عن التعاطف بقدر ما هو شكلٌ مبطن من الازدراء.”

ويبدو منطقيًا – كما يرى شلايم – أن يكون انطواء والده على نفسه نتيجةً لهذا التصور الخاطئ المترسخ في العقلية الإسرائيلية.

يضم الكتاب العديد من المواقف المؤثرة التي جعلت المؤلف يتعاطف مع الفلسطينيين، أهل البلاد الأصليين، خلال إقامته في “عالمه الثاني” فلسطين المحتلة.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى