كان لنشأة المعلم والمفكر البرازيلي الشهير باولو فريري بعد فترة الكساد الكبير الذي بدأ عالميًا عام 1929م، الفضل في تركيز اهتماماته الثقافية والفكرية على قضية إصلاح التعليم التربوي، فقام بوضع نظرياتٍ ذات تأثيرٍ كبير في هذا المجال.
من أهم نظريات فريري في التعليم هي نظرية التعليم الحواري التي ترفض نموذج التعليم البنكي التقليدي القائم على التلقين، إذ يقوم تعليمه المقترح على أسس التربية النقدية، حيث يُنظر إلى التعليم كشراكةٍ فاعلةٍ في عملية التعلم، لا كعمليةٍ أحاديةٍ يكون فيها الطالب متلقيًا سلبيًا.
الهدف من ذلك هو تمكين الفرد من تحقيق التحرر وتغيير واقع التعليم الاجتماعي من خلال الوعي الناقد.
ومن أجل ذلك صاغ فريري مصطلحه الشهير “تعليم المقهورين”، لما لاحظه من أثر القهر على غياب الوعي وتعطيل الاستجابة مع الواقع بصورةٍ فعّالة، مشيرًا إلى أن النظام التعليمي التقليدي كان مكرّسًا لخدمة هذا القهر.
ويرى فريري أن نتيجة ذلك أن الطالب يرغب في أن يكون معلمًا ليس حبًا في التعليم ذاته، بل ليعيد ممارسة القهر الذي تلقّاه وهو على مقاعد الدراسة.
ومن هنا – والكلام لفريري – يجب اقتراح طريقةٍ جديدةٍ للتعليم تتجاوز هذا النمط القهري وتعيد للإنسان إنسانيته.
ويعتقد فريري أن أسلوب التدريس التقليدي ما هو إلا تعطيلٌ للطاقة الكامنة لدى الطلاب، إذ يستهدف تطويعهم فكريًا كي يتأقلموا مع عالم القهر.
فالإدراك في عملية التعليم والتعلم هو المحور الحقيقي، لا مجرد النقل الميكانيكي للمعارف والمعلومات، وهو ما يطلق عليه التعليم البنكي.
والتعليم البنكي – حسب فريري – هو عمليةٌ أحادية يكون فيها المعلم هو صاحب المعلومة الأوحد، فيودِع في عقول طلابه المعلومات بشكلٍ تلقيني كما يودِع الناس أموالهم في البنوك حتى أجلٍ مسمّى، وهو أجل الامتحانات التي يتبخر بعدها كل ما تم إيداعه في ذهن الطالب من معلومات.
لأن الطالب لم يتعلم حقًا، بل تلقّى المعلومة كالوعاء الفارغ، مما يقلّص مهاراته في الفهم والتحليل والنقد، ومن ثم قدرته على الإبداع.
فالمعلم هنا هو الوحيد الذي يعرف كل شيء، والطلبة لا يفكرون.
ويصف فريري هذا النوع من التعليم بأنه تعليمٌ غير إنساني بامتياز، إذ يضع الإنسان تحت القهر مرتين:
مرةً حين يُعلَّم الطالب ما يريده المعلم وبالأسلوب الذي يريده،
ومرةً أخرى حين يُغرس في ذهنه أن التمرد على هذه المنظومة لا يكون إلا باستبدال دور القاهر بالمقهور.


