المقالات

بقرة معالي الوزير!!

عند الحديث عن الرحّالة العرب، أو ما يُسمّى بـ«أدب الرحلات»، من الصعب أن نتجاوز المؤرخ والرحّالة السعودي الشيخ محمد بن ناصر العبودي – رحمه الله – الذي سافر إلى أكثر من (160) بلدًا، ودوّن ما شاهده خلال رحلاته في أكثر من (300) كتاب، حصد من خلالها العديد من الجوائز، من أهمها جائزة «شخصية العام» من وزارة الثقافة السعودية.

في كتابه بعنوان «في أقصى شرق الهند»، الذي هو في الأصل جزء من كتابه «على أعتاب الهملايا» الصادر عام 1432هـ في (172) صفحة، سجّل العبودي وقائع رحلته إلى شرق الهند، حيث زار ولاية مني فور (أقصى ولايات الهند من جهة الشرق)، وولاية أريسا، ثم البنغال الغربي، وختم رحلته في كلكتا.

وتخلّل الكتاب الكثير من اليوميات والمشاهد والأحداث والأحاديث والمواقف الطريفة حول أوضاع الجاليات المسلمة في تلك المناطق من الهند. واستطرد المؤلف في الحديث عن المدارس الإسلامية المنتشرة، والجامع المركزي، والمساجد الكثيرة هناك.

ومن المواقف الطريفة التي واجهها المؤلف – لعلاقتها بمعتقدات الأكثرية من أهل تلك البلاد – أنه ذكر أنه في طريقه إلى منزل الوزير هلال الدين، اعترض الموكب الذي كان يقله بقرة وقفت في وسط الطريق. فنزل الضابط المسؤول عن حماية الموكب إلى البقرة، وراح ينهرها بهدوءٍ وأدبٍ جمٍّ، راجيًا منها أن تفسح الطريق للموكب لأنه لا يستطيع المرور إن بقيت في مكانها.

أسرع بعض المسلمين المرافقين بغرض أن يغلظوا لها القول، لعلمهم أن الضباط والجنود المرافقين لا يستطيعون إيذاءها أو إجبارها على الابتعاد، لأنهم هناك يقدّسون البقر. فقام أحد الجنود بتنبيههم قائلًا: «هذه بقرة معالي الوزير!»

وعن موضوع تقديس البقر، اقتبس المؤلف ما قاله العلامة أبو الريحان البيروني في كتابه «تاريخ ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة»، إذ ذكر أن أحد ملوك الهند القدماء رأى أن البقر تخصب الأرض بأقدامها عبر خلط الطين بالماء، وتغنيها بأرواثها وأبوالها، وتُشبع الجوعى بلبنها، وتوفّر الأُدْم بالزبد، فرأى ضرورة تقديسها ومنع ذبحها. ولضمان التزام الناس بذلك، أشاع بينهم عبادتها وعدم الإساءة إليها، رغم أن كثيرًا من رجال الدين الهندوس – بل حتى زعماؤهم ومنهم الفيلسوف غاندي – لا يرون الأمر من هذا المنظور، بل يأخذونه مأخذًا دينيًا.

ومن ذلك ما رُوي عن المهاتما غاندي أنه قال:

«البقرة فيها مظهر لأكثر من ثلاثة آلاف من آلهة أهل الهند».

الكتاب جميل وممتع في محتواه، غنيّ بالمواقف والمشاهد، يشدّ القارئ ويُعدّ من أجمل كتب أدب الرحلات للمؤلف – رحمه الله –.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى