ودّعت الصين أحد أعظم علمائها، عملاق الفيزياء في العالم البروفيسور “يانج تشن نينغ”، الذي توفي في الثامن عشر من أكتوبر 2025م عن عمرٍ يناهز (103) أعوام في بكين، بعد معاناة مع المرض، تاركًا إرثًا علميًا لا يُقاس، وأثرًا خالدًا في فهم ذرات الكون وقواه الخفية.
إنه العالم الذي قلب قوانين الطبيعة، وتحدّى مفهوم تناظر المرآة، وغيّر فهمنا للكون.
وُلِد “يانج تشن نينغ” في مدينة خِفي بمقاطعة آنهوي شرقي الصين عام 1922م، وبعد تخرجه من جامعة تسينغهوا الصينية في أربعينيات القرن الماضي، غادر إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراساته الأكاديمية في الفيزياء.
أكمل دراسته العليا في جامعة شيكاغو، وتخرج منها حاملاً درجة الدكتوراه تحت إشراف العالم الأسطوري إنريكو فيرمي — أحد رواد الفيزياء الحديثة وعضو الفريق الذي أنتج أول مفاعل نووي، والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1938م.
بدأ بعدها اسم الدكتور يانج يتردد في الأوساط العلمية حول العالم، وانشغل بالأبحاث المتعلقة ببنية المادة وقوانين الطبيعة غير المرئية، وهو المجال الذي كان يُعتقد سابقًا أن كل ظواهره قابلة للعكس كما في انعكاس المرآة.
كان عضوًا في الأكاديمية الصينية للعلوم، وأستاذًا في جامعة تسينغهوا العريقة منذ عام 1999م، وقد أمضى قبلها ثماني سنوات من طفولته فيها عندما كان والده أستاذًا في الجامعة ذاتها.
يُعد يانج أول عالم صيني يزور بلاده بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح بعدها رمزًا للتواصل العلمي بين الشرق والغرب.
نال “يانج تشن نينغ” جائزة نوبل في الفيزياء عام 1957م بالاشتراك مع رفيقه العالم الفيزيائي الأمريكي من أصول صينية تسونج داو لي، عن أبحاثهما حول عدم انحفاظ التكافؤ في التفاعلات النووية الضعيفة. كما تُعد نظرية مقياس (يانج–ميلز) التي قدمها بمشاركة عالم الفيزياء الأمريكي روبرت ميلز، من أهم الإنجازات في الفيزياء النظرية في القرن العشرين، بحسب وكالة شينخوا الصينية.
لم يكن يانج مجرد عالم في الفيزياء — “أمّ العلوم” كما وصفها أبو الفيزياء النووية العالم البريطاني إرنست رذرفورد — بل كان رمزًا للفضول البشري، والإصرار على تحدي المألوف وكسر القواعد.
ترك لنا بعد وفاته فهمًا أعمق وأشمل للكون، وإلهامًا لكل من يحمل حلمًا في تغيير العالم بالعلم والمعرفة.
ونقلت جامعة تسينغهوا الصينية عن يانج قوله في إحدى مقابلاته الأخيرة:
“لقد كانت حياتي دائرةً، بدأتُ من نقطةٍ ما، وسافرت في طريقٍ طويل، وعدتُ في النهاية إلى المكان الذي جئتُ منه.


