في زمنٍ تتسارع فيه التقنية وتتشابك فيه المهام، لم يعد الهاتف المحمول وسيلة ترفيه أو تواصل فحسب، بل أصبح محورًا تدور حوله تفاصيل حياتنا اليومية. من تطبيقات متابعة الأبناء دراسيًا إلى تطبيقات العمل والتواصل والإدارة، تزدحم ساعات اليوم أمام شاشة صغيرة تختصر لنا العالم وتُثقلنا في الوقت ذاته.
لقد غيّر التحول الرقمي ملامح الأداء والإنجاز، فانتقلت الأعمال من الأساليب التقليدية إلى التطبيقات الحديثة التي تسهّل التواصل وتختصر الوقت. غير أن هذا التحول السريع أفرز جانبًا آخر من المعادلة؛ ازدحام الوقت وتداخل المهام وتشتيت الذهن، إذ يمضي الفرد ثلاثة أرباع يومه ممسكًا بجهازه متنقلاً بين إشعارات العمل وتنبيهات المدرسة ورسائل الحياة.
ولم يَعُد تطبيق “واتساب” مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي كما كان في بداياته، بل أصبح منصّة عملٍ متكاملة تُدار عبرها الاجتماعات ، وتُرسل التعليمات، وتُتابع المهام اليومية، حتى صار أحد أكثر التطبيقات ارتباطًا بسير الأعمال، لا بالمحادثات الشخصية. ومع هذا التحول، أصبح من الصعب فصل الحياة المهنية عن الخاصة، مما زاد من ضغط الوقت وقلّص مساحة الراحة الذهنية .
وفي الجانب التعليمي، برزت ظاهرة جديدة تمثلت في التنافس الواضح بين المدارس لإثبات مدى مواكبتها للتقنية ، من خلال زيادة عدد التطبيقات المخصّصة للتواصل مع أولياء الأمور، وتكثيف القروبات والقنوات الإلكترونية وكأنها في سباقٍ مع الزمن. هذا التوسع غير المنظّم جعل أجهزة أولياء الأمور تمتلئ بالإشعارات والمهام والمتابعات اليومية، مما ضاعف الضغط النفسي عليهم، وأفقد التعليم جزءًا من طبيعته الأصيلة القائمة على التواصل المباشر بين المعلم والطالب في الأخذ والعطاء .
ومع تكرار هذا النمط، تتسلل مشاعر القلق والتوتر والإرباك، نتيجة استنزاف التركيز ومحاولة السيطرة على كل ما يحدث في آنٍ واحد. فبين الرغبة في الإنجاز والخوف من التقصير، تضيع لحظات الهدوء التي كانت تمنحنا توازننا النفسي والذهني .
لقد آن الأوان لإعادة النظر في علاقتنا بالأجهزة الذكية، ولإدارة وقتنا بوعيٍ أكبر. فالتقنية جاءت لتخدم الإنسان، لا لتقيّده، ولتُيسّر الحياة لا لتجعلها أكثر ازدحامًا وضجيجًا .





