المقالات

طه حسين… المملكة وطن العروبة والإسلام

في منتصف عام 1955م، انعقدت بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية الدورة التاسعة للجنة الثقافية بجامعة الدول العربية، والتي تطورت لاحقًا لتصبح المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وكان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين رئيسًا لهذه اللجنة التي انعقدت في جدة، برعايةٍ كريمةٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – الذي كان وزيرًا للتعليم آنذاك.

استمرت الدورة تسعة عشر يومًا، واستقبل الجميع الدكتور طه حسين بحفاوةٍ كبيرة، وتابعت الصحف والمجلات السعودية الحدث باهتمامٍ واسع. وشارك في الكتابة عنه كبار الكتّاب السعوديين في تلك الفترة، منهم: عبدالعزيز ساب، وعبدالله عريف، وعبدالقدوس الأنصاري، بالإضافة إلى العديد من المقالات التي تناولت أثر الدكتور طه حسين الثقافي، كتبها كلٌّ من الأديب حمد الجاسر، والأستاذ عابد خزندار، والأستاذ عبدالفتاح أبو مدين. كما ألقى الأستاذ حسن نصيف قصيدة زجلية بهذه المناسبة، وأجرى الإعلامي ماجد الشبل – رحمه الله – مقابلةً تلفزيونيةً مع الدكتور طه حسين.

شارك في هذه الدورة أعلامٌ كبار من مختلف الدول العربية. وفي يوم الافتتاح ألقى الدكتور طه حسين كلمةً تفيض محبةً وتقديرًا للمملكة، أنقل منها ما يلي دون تعليق، إذ هي تغني عن أي تعليق:

«كان الفرنسيون في بعض أوقاتهم يتحدثون عن انتشار ثقافتهم في الأرض، فيقول قائلهم: إن لكل مثقف وطنين، أحدهما وطنه الذي وُلد فيه ونشأ، والآخر فرنسا التي تثقف فيها وتلقى الثقافة عنها.
كنا نرى في ذلك شيئًا من الحق وكثيرًا من السرف، ولكن الذي أريد أن أقوله الآن هو الحق كل الحق، لا نصيب للسرف فيه؛ فلكل مسلمٍ وطنان لا يستطيع أن يشك في ذلك: وطنه الذي نشأ فيه، وهذا الوطن المقدس الذي أنشأ أمته، وكون قلبه وعقله وذوقه وعواطفه جميعًا.
هذا الوطن المقدس الذي هداه إلى الهدى، ويسّره للخير، وعرفه نفسه، وجعله عضوًا صالحًا مصلحًا في هذا العالم.
وأعترف أيها السادة بأني حين شرفني مجلس الجامعة العربية باختياري مشاركًا في اللجنة الثقافية ترددتُ في قبول هذا الشرف لما فيه من أعباء، لكني ما إن علمت أن الدورة ستنعقد في هذا الوطن الكريم العزيز حتى أقبلت غير متردد، بل أقبلت يدفعني الشوق الطبيعي الذي تمتلئ به قلوب المسلمين جميعًا مهما تكن أوطانهم.
فهذا الوطن العزيز الكريم وطنُ العروبة ووطنُ الإسلام، ولهذا الوطن أقدمت على قبول هذا الشرف، مستعينًا بالله على أن أنهض بأعبائه.»

انتهى الاقتباس.

حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، وقيادتها وشعبها من كل سوءٍ ومكروه، وردّ عنها كيد الحاسدين، وحفظها كما وصفها طه حسين:

وطنًا للعروبة، ووطنًا للإسلام، ووطنًا ثانيًا لكل مسلمٍ على وجه الأرض.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى