المقالات

بين الحبر والضوء: الصحافة الورقية والإلكترونيةصراع أم تكامل؟

«طلاليات»

في زمنٍ تتسارع فيه التقنية وتتبدّل فيه وسائل الإعلام بوتيرة مذهلة، يبرز سؤال لا يغيب عن ساحة النقاش الإعلامي: هل انتهى عصر الصحافة الورقية أمام اجتياح الصحافة الإلكترونية؟
أم أن كليهما وجهان لعملة واحدة اسمها نقل الحقيقة”؟
الورق… ذاكرة الخبر وعبق المصداقية
لسنواتٍ طويلة، كانت الصحف الورقية المرجع الأول للخبر والرأي.
هي التي شكّلت وعي المجتمع، واحتضنت أقلام المفكرين والصحفيين الكبار، فكانت مصدر الثقة و”ذاكرة الوطن” في كل حدثٍ كبير.
يتميز هذا النوع من الصحافة بالتحرير المتقن، والتدقيق، والمصداقية العالية، لأنها تمرّ بعدة مراحل تحريرية قبل النشر.
لكنّها اليوم تواجه تحديًا واضحًا أمام سرعة المتغيرات وصعوبة مجاراة الإيقاع الرقمي، إذ لم يعد القارئ ينتظر الغد ليطّلع على ما حدث بالأمس.
أما الصحافة الإلكترونية، فهي ابنة العصر الرقمي، حيث تصل الأخبار إلى القرّاء في لحظتها، مصحوبة بالصوت والصورة ومقاطع الفيديو.
تتيح هذه المنصات التفاعل المباشر مع الخبر، مما يجعل القارئ شريكًا في صناعة المحتوى، لا مجرد متلقٍ له.
وتتفوق الإلكترونية من حيث السرعة، والانتشار، وقلة التكلفة، وسهولة الأرشفة، فضلًا عن قدرتها على الوصول إلى جمهور عالمي بضغطة زر.
ورغم ما يبدو من تنافس بين الطرفين، إلا أن الحقيقة أن العلاقة بين الصحافة الورقية والإلكترونية هي علاقة تكامل لا صراع.
فالورقية تمنح المصداقية والعمق والهوية التاريخية، بينما تقدّم الإلكترونية السرعة والمرونة والانفتاح على العالم.
الصحف الناجحة اليوم هي التي تزاوج بين الأصالة والتجديد، فتنشر مطبوعتها الورقية مع نسخة إلكترونية تفاعلية تُبقيها حيّة في الذاكرة الرقمية.
يتفق الخبراء والمهتمون على أن مستقبل الصحافة لن يكون للورق وحده ولا للشاشة وحدها، بل لمزيجٍ ذكي يجمع بين عمق الكلمة وديناميكية التقنية.
فالصحافة، مهما تغيّرت أدواتها، تظل رسالةً ومسؤولية: أن تقول الحقيقة بموضوعية، وتنقل الوعي بصدق، وتظل وفيةً لمهنتها النبيلة كـ“سلطةٍ رابعة” تخدم المجتمع وتُسهم في تقدّمه.
الخلاصه
ما بين دفء الورق وبرودة الشاشة، تظل الصحافة شاهدًا على العصر، تتبدّل وسيلتها ولا تتبدّل رسالتها. فالحبر قد يجف، لكنّ وهج الكلمة الصادقة لا ينطفي ابداً.

محمد سعد الثبيتي

طلاليات محمد الثبيتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى