منذ أن أذن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام للناس بالحج، صار هذا الركن العظيم دعوةً جامعةً للقلوب من أطراف الأرض على كلمة التوحيد. وتظل مكة المكرمة قلب العالم الإسلامي ووجهته التي لا يخبو لها شوق، ولا ينطفئ لها نور.
وفي هذا السياق الروحي والإنساني تتجدد عناية المملكة العربية السعودية بضيوف الرحمن عامًا بعد عام، حتى غدت تجربتها في إدارة الحج نموذجًا عالميًا فريدًا في التنظيم، والإبداع، والخدمة، والإنسانية.
ومن هنا انعقد مؤتمر الحج ومعرضه هذا العام 1447هـ بعنوان بليغ: «من مكة إلى العالم»، برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله–تأكيدًا على أن رسالة مكة ليست محصورة في حدود جغرافية، بل ممتدة في القيم، والإنجاز، والتواصل الحضاري مع العالم.
وقد شهد المؤتمر تفاعلًا علميًا وعمليًا واسعًا، حيث تتابعت الجلسات الحوارية التي ناقشت تجارب موسم الحج السابقة، وسبل تعزيز التكامل بين الجهات الميدانية والتنظيمية، فيما أُقيمت ورش تخصصية تناولت إدارة الحشود، وتقنيات النقل الذكي، ومنظومات السكن والضيافة، وأساليب تحسين تجربة الحاج منذ وصوله، وحتى مغادرته.
وفي الوقت نفسه، ضمَّ المعرض المصاحب أجنحةً لعدد من الجهات الوطنية، أبرزها جناح دارة الملك عبدالعزيز الذي قدّم للزوار رحلة معرفية في تاريخ الحج وعمقه الحضاري، وعرض وثائق وصور وخرائط تُظهر اهتمام المملكة بطريق الحاج منذ عهد المؤسس.
كما برزت جهود المملكة في تبني التقنيات الحديثة التي تسهّل الإرشاد، والتنقّل، وإدارة المعلومات، وتنظيم حركة الحشود، إلى جانب منظومات الرعاية الصحية المتكاملة التي تضمن الأمن والطمأنينة لضيوف الرحمن؛ لتتضح رؤية المملكة في تقديم تجربة حج متكاملة تجمع بين الروحانية والراحة، وتُظهر الجمع بين الإرث التاريخي، والتطوير العصري في خدمة الإنسان.
وما تزال المملكة العربية السعودية تواصل تأكيد ريادتها لخدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج كل عام، حيث تتكامل الجهود الميدانية والتقنية لتقديم تجربة فريدة، تجمع بين الروحانية والراحة والطمأنينة. فاستقبال الحجاج وتنظيم حركتهم، وتأمين خدمات النقل والإقامة، وتقديم الرعاية الصحية الشاملة؛ ليست مجرد إجراءات تنظيمية، بل دلالة على رؤية متكاملة تتجاوز الزمن؛ لتجسد رسالة إنسانية وحضارية.
وتتميز المملكة في هذا السياق كونها رائدة عالمية، تجمع بين الإرث التاريخي والتقنيات الحديثة، فتسعى دائمًا إلى إثراء تجربة الحاج روحيًا وثقافيًا، وتعزيز التواصل بين الجهات المسؤولة داخليًا وخارجيًا؛ لتكون مكة المكرمة قلبًا نابضًا للروح الإسلامية، ورسالة سلام للعالم أجمع، مع التأكيد على أن خدمة ضيوف الرحمن ليست واجبًا فحسب، بل شرف وغاية تتجدد مع كل موسم حج.
ويمضي المؤتمر أيضًا بعين نحو المستقبل، مستشرفًا آفاقًا جديدة؛ لتطوير الحج بما يواكب التحولات العالمية، مع التركيز على الجمع بين التقنية والإنسان، والتخطيط والرحمة، والإدارة والروحانية، ليظل الحج تجربة غنية في أثرها الروحي والثقافي والاجتماعي.
وارتكز الملتقى على محاور مترابطة، تبدأ من دور المملكة في خدمة الحرمين الشريفين، مرورًا بالاستعراض التاريخي للحج والحرمين الشريفين، ووصولًا إلى النهضة العمرانية والهوية البصرية للحرمين، ثم حضور الحج في الثقافة والذاكرة الاجتماعية للأمة، وختامًا بالتقنيات الحديثة وأدوات توثيق الحج التي تُظهِر الدمج بين التراث العريق والتطوير العصري.
إن هذا الجهد المتواصل جزءٌ أصيل من رؤية المملكة العربية السعودية (2030) التي جعلت من خدمة الحرمين الشريفين شرفًا وغاية، وعدَّتْ قطاع الحج والعمرة أحد مساراتها الإستراتيجية، تأكيدًا على الدور الذي نذرت له المملكة نفسها منذ تأسيسها في خدمة ضيوف الرحمن بقلوب قبل الأيدي، وبإيمان قبل التنظيم.
نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ بلادنا وقادتنا، وأن يوفّق المملكة العربية السعودية للاستمرار في ريادتها في خدمة ضيوف الرحمن، وأن يجعل جهودها المباركة سببًا في راحة الحجاج وطمأنينتهم، وأن ينشر رسالة الإسلام السمحة إلى كل أنحاء العالم، فالمملكة تقدم للعالم خدمات تنظيمية مبهرة، تبني بها جسورًا من الإنسانية والتلاحم الحضاري، وتؤكد للعالم أجمع على أن مكة المكرمة وُجِدت لتجمع القلوب على قيم التوحيد والخير والسلام.






ما شاء الله تبارك الله فتح الله عليكم فتوح العارفين وزادكم الله من فضله
حفظ الله المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا وأدامها عزًا للإسلام والمسلمين
تحياتي للجميع.