في مكة المكرمة وُلد رجلٌ حمل في قلبه نورًا، وفي عقله فكرًا، وفي سيرته أثرًا. هو معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي فراج العقلا، الذي جمع بين العلم والعمل، بين الفقه والفكر، بين المنصب والرسالة، فصار علمًا يُشار إليه، ورمزًا يُقتدى به.
كان –رحمه الله– العلمُ عنده عبادة، والوظيفةُ رسالة؛ فلا يفرّق بين محراب الجامعة ومحراب المسجد، ولا بين قاعة الدرس ومجلس الذكر.
…… جعل الجامعةَ الإسلامية بيتًا للقاصد، ومنارةً لطالب العلم؛ فكان للطلاب أبًا، وللمحتاجين سندًا، وللمغتربين وطنًا.
… جمع بين فقه الشريعة وحكمة الاقتصاد، فكان من روّاد الفكر الاقتصادي الإسلامي، ينسج من نصوص الوحي رؤىً تُخاطب العصر.
كان لسانه بلسماً، ويده عطاءً، وقلبه رحمةً؛ يفتح أبوابه للناس، ويُغلق أبوابه عن الكِبر والرياء.
لم يكن أبا طارق –رحمه الله– رجلَ منصبٍ يُسطَّر في السجلات، بل كان قيمةً تُسطَّر في القلوب. إذا تكلّم ألقى على السامعين وقارًا، وإذا عمل ترك في الأفق أثرًا.
لقد جمع بين هيبة العالم وبساطة العابد، وبين صرامة المسؤول ورقّة الإنسان، وبين قوة العقل ورقّة القلب؛ فكان مثالًا نادرًا لرجلٍ يوازن بين الدنيا والآخرة، بين المنصب والرسالة، بين العلم والعمل.
رحل كما يرحل العظماء: في صمتٍ مهيب، وسكينة تشبه حياته، تاركًا وراءه إرثًا من القيم، وذكرًا من العطاء، وأثرًا من العلم. دُفن في مقبرة شهداء الحرم، لكنه بقي حيًّا في القلوب، خالدًا في الصفحات، حاضرًا في الدعوات.
محمد العقلا ليس اسمًا يُسطَّر في سجل الوظائف، بل هو قصيدةٌ من نور، وخطبةٌ من حياة، وآيةٌ من أثر. إن الحديث عنه ليس رثاءً، بل هو تجديدٌ للعهد بأن الرجال العظام لا يموتون، بل يظلّون أحياءً في ضمائر الأمم، ما دام عطاؤهم شاهدًا، وذكراهم منارةً، وسيرتهم درسًا للأجيال.
وأخيرًا، ندعو الله أن يجزيه خير ما جزى والدًا عن ولده،
وأن يُخلِفه في عقبه خيرًا.
أبناؤه:
أ.د. طارق
د. علي
د. عقيل
أ. عبدالله
وأهل بيته الذين هم حسنةٌ من حسناته.
غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين