يحار البنان، وتتجمد الأركان، وتقف العبارات عاجزة عن التعبير؛ فمناقب ومآثر هذه الشخصية الفذّة،
معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا، مدير الجامعة الإسلامية السابق (رحمه الله)، يصعب حصرها، ويستعصي جمعها.
وقد عملتُ معه طيلة فترة قيادته مديرًا للجامعة الإسلامية، وكنت قريبًا منه في معظم خطواته الجليلة وأعماله الكبيرة التي لا يزال منسوبو الجامعة يتفيؤون ظلالها الوارفة.
وكانت البداية من القاعة التاريخية، ثم مباني الكليات، فمشروع إسكان أساتذة الجامعة ومنسوبيها، والملاعب الجديدة، وقاعة الاحتفالات، والملاعب والمسبح وغيرها.
وقد كان يخطط لإقامة مضمار للخيل، وأيضًا قاعة كبرى تستوعب آلاف الحاضرين، في فكر يخرج من نطاق المحلية ليعانق العالمية.
ووجدت فيه خصائص ومناقب قلّ أن توجد في شخص آخر.
ولا أدري من أين أبدأ: من التواضع ولين الجانب؟ أم من الأدب الجمّ والخلق الرفيع؟
فقد كان – رحمه الله – يتعامل مع الجميع على مسافة واحدة، وهذه ميزة يندر أن تجد من يتعامل بها.
نثر حبه بين الجميع فتلقّوه بالمودة والرحابة،
وأصبح جميع من يعمل في الجامعة الإسلامية يلتفّ حوله وكأنك تشاهد فريقًا واحدًا يعمل بكل إخلاص.
إن “الإدارة بالحب” من أهم المميزات التي كان يتمتع بها الفقيد رحمه الله، وقد كتبت حينها مقالًا نُشر بهذا العنوان.
كما أنه كان محبًا للخير، حريصًا على أن ينال ذلك الخير كل من يعمل في الجامعة في وقته،
وتلاشت جميع مظاهر الشحناء بين الموظفين على اختلاف مستوياتهم ودرجاتهم،
فقد كان يوجّه بألّا يتعطّل أحد سواء في مجال الترقية أو التخصص أو المكان الذي يود أن يعمل فيه.
وهذا خلق جوًا رائعًا انعكس على نفسيات الجميع؛
فتجدهم يمكثون في المناسبات إلى ساعات متأخرة من الليل، وفي صباح اليوم التالي تجد الجميع حاضرًا ولم يتأخر أحد منهم أبدًا.
كان كثير الصفح عن الموظفين، وأذكر أنه سنّ إقامة حفل سنوي للمتقاعدين من منسوبي الجامعة (باقتراح شخصي من كاتب هذه السطور).
فسقط اسم أحد المتقاعدين سهوًا، فلم يلم أحدًا، بل سأل عن مَن يعرف منزل ذلك المتقاعد، ليأخذ بنفسه هديته وشهادته ويسلمها له في بيته الذي كان يبعد عن الجامعة قرابة 15 كيلومترًا.
إنها أخلاق الكبار الذين لا يرون أحدًا أقلّ منهم، بل يتعاملون مع الجميع على قدم المساواة.
إن من يكتب عن هذه القامة الإدارية والهامة المجتمعية، ومن عرفه عن قرب أو تعامل معه، فإنه سيكتب عنه بالعبَرات قبل العبارات؛
فقد غرس حبه في نفوس جميع من حوله، واستطاع أن يستحوذ على قلوبهم، ويستقطب مشاعرهم.
ونظرة واحدة على حب طلاب الجامعة له تكفي لإقناع الجميع بما بلغت هذه الشخصية من مكانة سنية في النفوس.
وقد انتقل إلى رحمة الله بعد معاناة مع المرض.
أسأل الله أن يجعلها كفارة لسيئاته، ورفعة لدرجاته.
ولا نقول وداعًا؛ فقد رحل جسده فقط، وبقي عهده ومدرسته لجميع الأجيال القادمة